لم ينتهِ الجدل الذي لطالما رافق العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في حياته، بعد مماته، إذ ما زال ذكر سيرة الزعيم الليبي الذي مات مقتولا يثير النقاش والخلاف في الأوساط الأكاديمية؛ وهو الأمر الذي شكلت الجلسة الرابعة من ندوة “أزمة الحدود في إفريقيا”، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، محطة جديدة من محطات الجدل المرافق للزعيم المثير للجدل.
ففي مداخلة للكاتب الصحافي والمحلل السياسي اللبناني، خير الله خير الله، تساءل عما فعلت بعض الدول والأنظمة بعد الاستعمار، معتبرا ذلك إحدى المشاكل التي تواجه إفريقيا؛ لأن أنظمة ودولا “لم تستطع مواجهة تحديات مرحلة ما بعد الاستعمار”.
وذهب خير الله إلى القول إن “الإرث الثوري، الذي لا يزال يتحكم في بعض الدول والأحزاب الحاكمة فيها، هو إرث لا علاقة له ببناء دولة مؤسسات حديثة تستطيع التعاون مع محيطها بكل واقعية بما يخدم المصالح المشتركة الإفريقية والإقليمية بعيدا عن عقدة التخلص من الاستعمار”.
أكد المحلل السياسي اللبناني أن الاستعمار بات في دول إفريقية عديدة “مبررا للهروب من الواقع وتحمل المسؤولية التي يفترض بهذه الدول أن تتحملها. وعذرا للهروب من الحقيقة”.
وتابع المتحدث ذاته موضحا أن في مرحلة معينة من تاريخ إفريقيا “برزت شخصيات معينة كانت تنشر الخواء عن طريق توزيع الأموال”، مؤكدا أن هذا جانب من المأساة الإفريقية.
وزاد خير الله موضحا أن من بين هذه الشخصيات “الراحل معمر القذافي، الذي اعتقد أنه قائد ليبيا وملك إفريقيا متجاهلا أن لا أحد يأخذه على محمل الجد، لو لم يكن يوزع المال يمينا ويسارا؛ في حين لا فكر بناء لديه، ولا تعاون على الصعيد الإقليمي”
لم يقف المحلل السياسي اللبناني عند هذا الحد في توصيف القذافي ومرحلة حكمه، حيث استرسل: “لا يدل على هذا الفشل أكثر مما حل بليبيا؛ التي كانت مؤهلة لتكون دولة واعدة لو لم تنتقل إليها عدوى الانقلابات العسكرية منذ سنة 1967″، مشددا على أن أساس الفشل هو غياب “الدول القادرة على بناء مؤسسات وأنظمة تستجيب لمتطلبات العصر”، محملا هذه الدول مسؤولية “بيع الأوهام والشعارات، كما هو الحال مع شعار حق الشعوب في تقرير المصير”، الذي عده حق يراد به في أحيان كثيرة باطل.
كلام الكاتب الصحفي اللبناني بدا مرفوضا من محمد المدني الأزهري، الذي يمثل أحد رجالات القذافي في مرحلة حكمه، وكان من بين الحاضرين، حيث انبرى للرد عليه، واصفا ما جاء على لسانه بـ”الجهل المطلق”.
وقال الأزهري: “لن أعلق على ما تفضل به السيد خير الله، لأنه يبدو موقف مسبق من الثورات في إفريقيا، وأيضا جهل مطلق فيما يتعلق بليبيا”، مؤكدا “أنا اشتغلت في إفريقيا 35 سنة ولي الشرف أنني رافقت القذافي واشتغلت تحت قيادته، وكنت أحد العناصر الليبية”؛ وذلك في رفض واضح لما جاء على لسان خير الله بشأن توزيع القذافي الأموال يمينا ويسارا.
من جهته، دافع الصادق الفقيه، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، عن العقيد معمر القذافي الذي قال إنه “لم يكن مبرأ من عيب؛ ولكن دعم أفكارا كثيرة في إفريقيا ودعم الاتحاد الإفريقي دعما بلا حدود، ولم يكن يبعثر المال قط”.
واستدرك الفقيه: “يمكن أن يكون بعثر بعض المال هنا وهناك؛ لكن المؤكد أنه دعم بعض المشاريع الكبرى، وفكرة الولايات المتحدة الإفريقية كانت فكرة ليبية بامتياز وعملت عليها ليل نهار، إلى أن تحولت منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي”، مشددا على أن هذه حقائق “ينبغي ألا نغفلها، ليس حبا في القذافي؛ ولكنها مجرد حقائق ينبغي أن تقال”، وفق تعبيره.
قبل أن يرد الكاتب الصحفي اللبناني على منتقديه، قائلا: “ماذا فعل القذافي من أجل ليبيا غير الكوارث؟ وماذا ينفع أن تفعل خارج ليبيا مقابل لا شيء في ليبيا؟”، في رسالة واضحة إلى أن العقيد الراحل لم يقدم شيئا لبلاده مقابل السخاء الذي كان يعامل به باقي بلدان وشعوب القارة السمراء.