تصدرت تونس المراتب الأولى في العالم في استهلاك المياه المعلبة (المرتبة 4 سنة 2020) حيث ارتفع الاستهلاك الفردي الى أكثر من 250 ل/شخص/سنة, في المقابل يتراوح هذا الرقم في حدود 150ل/شخص/سنة. هذه النسبة المرتفعة والمتصاعدة من سنة إلى أخرى تمثل اكبر دليل على هجرة المواطن التونسي لمياه الحنفية التي زادت تدهور في جودتها في السنوات الأخيرة.
وبما ان المياه المعلبة, سواءا كانت معدنية اومياه منبع طبيعي او مياه مائدة, تعتبر مكلفة لأغلب العائلات التونسية (تمثل بين 10 و 15 من مداخيل العائلات دون 1000 د. شهريا), فقد انتشرت منذ عقدين تجارة مياه العيون عبر الشاحنات تلتها تجارة المياه المحلاة (بأسلوب التناضح العكسي Osmose Inverse). هذه التجارة الموازية لا يمنعها القانون لكنها غير منظمة وبالتالي لا وجود لأي رقابة عليها.
جودة المياه الشرب في تونس
1/ مياه الحنفية
المواصفات التونسية (NT09.14) حددت ملوحة المياه الصالحة للشرب بين 0,2 و2 غ/ل, كما أن الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه حددت ملوحة المياه المنتجة عبر أساليب التحلية ب 1,5 غ/ل. في المقابل فان طعم المياه بملوحة تتجاوز 1,2 غ/ل يعتبر غير مقبول حسب دراسة اعتمدتها المنظمة العالمية للصحة والتي تشير ايضا الى أن طعم ماء الشرب يكون سيئا فمقبولا فحسنا فممتازا إذا تراوحت الملوحة بين 1,2-0,9 و0,9-0,6 و0,6-0,3 وأقل من 0,3 غ/ل على التوالي. وكاستنتاج حتمي يمكن تصنيف اغلب المياه الصالحة للشراب في تونس، والتي تتراوح ملوحتها بين 1 و2 غ/ل, كمياه سيئة او غير مقبولة للشرب.
كما حددت المواصفات مياه الشرب نسبة الكلور، المادة أساسية لتعقيم المياه، بين 0,2 و0,6 ملغ/ل. حيث أكدت بعض الدراسات عدم احترام هذه النسب إما بالنقصان او بالزيادة المفرطة. ففي غياب مادة الكلور يبدأ الماء في التعفن وتكاثر الجراثيم. بينما يؤدي تجاوز مادة الكلور الحد الأقصى المحدد ب 0,6 ملغ/ل، إلى ازدياد خطورة الإصابة بمشاكل القلب وتصلب الشرايين والسكتات الدماغية. كما تكمن خطورة الكلور في تفاعله مع المراكبات العضوية التي تحتويها المياه وانتاج عنصر تريهالوميثان(Trihalomethane : THM) ، والتي ثبتت سرطنتها في عديد الدراسات في كندا وغيرها. وفي المقابل لا توجد أي معطيات او دراسات حول مادة THM في مياه الصالحة للشراب في تونس.
2/ المياه المعلبة
يتزايد استهلاك المياه المعبأة بنسبة 10٪ سنويًا منذ 2015، الى أن وصلت المبيعات سنة 2021 الى 2981 مليون ل و1650 مليون قارورة. ورغم وجود هيكل وطني رسمي يشرف على جودة ومراقبة المياه المعلبة فهذا المجال تنقصه الشفافية خصوصا حول جودة المياه وبعض المواصفات التي لا تحترم مثل وضع الإشارة المفروضة عند تجاوز نسبة الفلوريد 1 ملغ/ل. أما المعضلة الكبرى فتتمثل في تحلل الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في المياه المعلبة نظرا لتعرضها لأشعة الشمس وهو أمر مسكوت عنه. علما ان دراسات في الولايات المتحدة وفي ألمانيا أثبتت وجود “ميكروبلاستيك” في المياه المعلبة رغم برودة الطقس وصرامة الرقابة في بلد مثل ألمانيا
3/ المياه الموازية او المياه غير المنظمة
يوجد نوعان من هذه المياه:
– مياه عيون وتباع عبر شاحنات مباشرة للمنازل بثمن يتراوح بين 80 و 100مليم/ل. ورغم أن طعمها في مجملها أفضل من مياه الحنفية وتتقارب مع عدد كبير من المياه المعلبة إلا أن هذه المياه مجهولة المصدر ومتعرضة لخطر التلوث والأشعة الشمسية اثناء تنقل الشاحنات وتوزيع المياه.
– المياه المحلاة وهي منتجة في أغلبها من مياه الحنفية عن طريق التكنولوجيا الأكثر الانتشار في العالم – التناضح العكسي- وتباع هذه المياه في محلات إنتاجها في علب خاصة بالحريف, وتباع أيضا عبر شاحنات وكأنها مياه عيون بثمن يتراوح بين 70 و100مليم/ل. تعتبر المياه المنتجة عن طريق التحلية مياه صالحة للشرب بالمواصفات الدولية في صورة إنتاجها بطريقة علمية. لكن هذا المجال غير منظم وغير مراقب مما يؤدي غالبا إلى بيع مياه لا تستجيب لمواصفات مياه الشرب.
وتعتبر تونس متأخرة في مجال تجارة القرب للمياه المحلاة مقارنة بعديد الدول العربية، فتجارة المياه المحلاة عبر محطات تحلية معدة للغرض منتشرة في عديد الاحياء والمدن ومنظمة في عديد الدول خصوصا العربية التي تفتقد لمياه بجودة عالية للشرب البشري مثل الأردن ولبنان والإمارات والسعودية ومصر. فالمملكة الأردنية مثلا، نظمت هذا القطاع منذ عقدين تقريبا حيت ان بعث المشروع في المجال يخضع لكراس شروط منشور في الجريدة الرسمية الأردنية.
الحل الأقل كلفة
تحلية المياه الحنفية عبر تكنولوجيات الأغشية تقضي أيضا على احتمال التلوث للمياه الصالحة للشراب الذي أقره تقرير دائرة المحاسبات لسنة 2014 (وادي مجردة الذي يمثل أحد أهم المصادر لتزويد عدد من السدود الموفرة للماء الصالح للشراب، أصبح عرضة للتلوث من جراء سكب مياه المعالجة غير مطابقة للمواصفات) وعلى النسب العالية من بقايا الكلور في الماء، والتقليل بنسبة مرتفعة (90 %) من العناصر التي يفترض ان تكون بكميات ضئيلة (في حدود 1 في المليون) مثل الفلوريد المتواجد بجهة قفصه والذي أثر سلبا على صحة المواطنين. وبصفة عامة فان تحلية الماء في اَخر الشبكة المائية فيه اقتصاد للماء وللكلفة (أقل من 0,05 د/ل) بما أنه يقتصر على كمية مياه الشرب التي تمثل أقل من 2 % من كمية الماء الصالح للشراب.
+ المصدر : المجلس العلمي لمؤسسة التميمي