لو عدنا للأحداث القريبة سينظر من قبل شركاء تونس التقليديين الى زيارة رئيس الجمهورية قيس الى المقر الرئيسي لشركة “هواوي” بمدينة “شنزان” الصينية أين التقى بمؤسسها السيّد Ren Zhengfei بعين الريبة والقلق .
ووفقا لبلاغ رسمي لرئاسة الجمهورية قام قيس سعيد “رئيس الجمهورية قام “بجولة في أجنحة هذه المؤسسة اطلع خلالها على أحدث ابتكاراتها التكنولوجية واستمع إلى عرض مفصّل حول نشاطها في العالم عموما وفي تونس على وجه الخصوص، فضلا عن الفرص المتاحة لتطوير شراكاتها مع بلادنا مستقبلا في عدّة مجالات من بينها رقمنة الإدارة والمعاملات المالية والتعليم والطاقات المتجددة. ”
فقبل نحو خمس سنوات وتحديدا يوم 19 أوت 2021 التقى الرئيس قيس سعيد السيّد Terry HE، رئيس مؤسسة هواوي لمنطقة شمال إفريقيا هذا اللقاء تحول الى موضوع هام داخل لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي فخلال جلسة حول الوضع السياسي في تونس بعد الاجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 وفي مداخلة لها أعدت سلفا كشفت السيدة الكسيسي الييف متخصصة في الشؤون الافريقية بقسم البحوث بالكونغرس الأمريكي في أكتوبر 2021 “ان الولايات المتحدة تابعت لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيس مجموعة هواوي الصينية بقلق كبير”
وقالت في شهادتها أدلت بها يوم 14 أكتوبر 2021 ” في منتصف أوت وسط تصريحات عن القلق من الولايات المتحدة حول المسار السياسي في تونس ، استضاف الرئيس سعيد وفدا من شركة التكنولوجيا الصينية هواوي وهي الشركة التي سعت الولايات المتحدة إلى تقييد أنشطتها الدولية. “
و حسب بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية حول هذا اللقاء “نوّه رئيس الدولة بمساهمة شركة هواوي في تطوير الاقتصاد الرقمي بتونس في إطار التعاون المثمر القائم بين تونس والصين. وثمّن ما يتوفّر للبلدين من فرص متنوّعة وآفاق واعدة لمواصلة تنويع هذه العلاقات ومزيد تدعيمها لا سيّما في قطاعات التربية والتعليم والنقل، فضلا عن المجال الصحي خاصة في إطار تنفيذ مشروع المدينة الصحّية بالقيروان.
وجاء في تقرير صادر عن معهد واشنطن في أفريل 2023 شهد أيضاً قطاع الاستثمار التكنولوجي الذي يطرح مخاوف أمنية، تطورات إيجابية وسلبية. فشركة هواوي الصينية العملاقة للهواتف المحمولة لا تزال تتمتع بوضع جيد في تونس، بحيث تمثل ما يقرب من 15 في المائة من السوق المحلي للهواتف الذكية. ومع ذلك، واجهت طموحات بكين في تكنولوجيا الجيل الخامس معارضة من قبل الولايات المتحدة ومنافسة حادة من أوروبا. فخلال قمة عُقدت في جربة في نوفمبر 2022 أجرت شركة “اتصالات تونس” اختباراً رئيسياً لنشر الجيل الخامس بالشراكة مع شركة إريكسون السويدية متعددة الجنسيات، مما منح الشركة الأوروبية على ما يبدو الريادة على هواوي.
وتأتي هذه التحركات في وقت تستعد فيه تونس طرح رخص إنشاء وتشغيل شبكات اتصالات الجيل الخامس للاتصالات (5 جي) خلال أشهر، في مسعى للحاق بركب هذه التكنولوجيا التي أصبحت مهمة للارتقاء بالاقتصاد والأعمال ومواكبة التقنيات المتقدمة.
وأعلن وزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي في مارس الماضي إطلاق خارطة طريق بشأن البنية التحتية لهذه التكنولوجيا ومراحل إسناد التراخيص وتسويق الخدمة.
وأكد خلال ورشة عمل أقيمت بالعاصمة تونس للكشف عن تفاصيل هذه الخطوة، أن العمل على الإعداد التقني للانتقال من خدمة الجيل الرابع للاتصالات إلى الجيل الخامس تمت “بطريقة دقيقة ومدروسة”.
ونقلت وكالة تونس افريقيا للأنباء عن بن ناجي قوله إنه “مع نهاية العام 2024 سيحصل التونسيون على خدمات الجيل الخامس للإنترنت”.
ولم يذكر الوزير الشركة الأجنبية، التي ستتولى تطوير البنية التحتية، لكن الترجيحات تصب باتجاه اختيار شركة هواوي الصينية، التي تنشط بكثافة في شمال أفريقيا رغم الحظر الغربي المفروض على معداتها وتقنياتها بداعي التجسس على الاتصالات.
وشدد بن ناجي أثناء الورشة على أن “هذا التحول سيمكن تونس من تدارك التأخر في مجال حركية الاتصالات وفي مجال البنية التحتية التي توفر مستوى تدفق عال للإنترنت”.
وتقنية 5 جي أكبر بوابات التحول التكنولوجي والرقمي خلال السنوات المقبلة لأنها تضاعف سرعة نقل البيانات عشرات المرات لتفتح الأبواب لعهد الثورة الصناعية الرابعة.
وبالإضافة إلى ذلك، ستدعم التقنية تطبيقات إنترنت الأشياء (أي.أو.تي) وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية، والتي تعد إضافة قيمة إلى القطاعات الصناعية والتجارية والمالية بالإضافة الى الأفراد.
وأوضح الوزير أن هذا الانتقال سيمكن من تحسين جودة الإنترنت من 10 إلى 20 مرة أكثر من الجيل الرابع، وهو ما سيكون له انعكاس إيجابي على كفاءة المؤسسات الاقتصادية ومختلف الأنشطة التي تحتاج مستوى تدفق عالٍ للإنترنت.
الحسم في سبتمبر القادم
ومن المقرر أن تفتح الجهات التنظيمية الطلبات وتقييمها بين شهري يوليو وأغسطس المقبلين على أن يتم منح التراخيص في شهر سبتمبر ثم تسويق الجيل الخامس للاتصالات الجوالة في نوفمبر.
وأكد بن ناجي أن هذه الخطوة ستمكن من تركيز تطبيقات متطورة في تونس للتحكم عن بعد والاشتغال بتقنيات الواقع المعزز.
وكانت الحكومة قد شكلت في شهر ماي 2023 لجنة فنية متخصصة مكونة من مختلف الجهات المعنية لتقييم مختلف نتائج الدراسات المنجزة واختيار الاتجاه الذي سيتم اعتماده فيما يتعلق بتركيز واستغلال الموارد الطبيعية لإطلاق تقنية 5 جي.
وينشط في السوق ثلاثة مشغلين للهواتف المحمولة، وهي شركة اتصالات تونس، التي تملك الدولة 65 في المئة من أسهمها، فيما الحصة المتبقية فتحوزها مجموعة أبراج الاستثمارية الإماراتية منذ نوفمبر 2017.
وكانت شركة الإمارات للاتصالات أحد أذرع دبي القابضة، شريكا في شركة الاتصالات الحكومية منذ عام 2006 قبل أن تبيع حصتها المقدرة بنحو 35 في المئة إلى أبراج الاستثمارية.
أما المشغل الثاني فهي أورانج الفرنسية، التي بدأت العمل في السوق التونسية خلال أكتوبر 2009 إثر تحالف مع الشركة الأم وشركة تابعة لمجموعة المبروك.
وتتمثل الشركة الثالثة في أوريدو القطرية، التي دخلت في العام 2013 إلى السوق التونسية بعد استحواذها على شركة تونيزيانا المحلية التي تأسست في العام 2002 باستثمارات خاصة.
وهناك مشغل رابع يعمل عبر شبكة اتصالات افتراضية (أم.في.أن.أو)، وهو لايكا موبايل البريطانية، التي بدأت النشاط أواخر العام 2015. وتعد تونس أول بلد عربي وأفريقي يحتضن أعمال هذه الشركة.
وتحتدم المنافسة في سوق الهاتف المحمول في تونس وسط ارتفاع نسب انتشار الخدمة، ويُعد متوسط سعر دقيقة الاتصالات بالبلاد من بين الأرخص في المنطقة العربية.
تبرز شركة هواوي بوصفها محورا أساسيا في الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، حيث تعيد تحديد معالم الهيمنة العالمية من الجيل الخامس إلى تصميم أشباه الموصلات.
ويشير تقرير لبلومبيرغ إلى أنه على الرغم من مواجهة هواوي وابلا من العقوبات والشكوك، فإن عودتها الملحوظة إلى الظهور تؤكد عزم الصين تحقيق الاستقلال التكنولوجي، مما يؤدي إلى تضخيم المخاوف في واشنطن بشأن مدى فعالية جهود الاحتواء.
وتقول الوكالة إنه منذ أن أدرجت إدارة دونالد ترامب شركة هواوي في القائمة السوداء عام 2019 بسبب مخاوف التجسس، كان مسار الشركة رمزا لتحدي الصين ودعمها المستند إلى الدولة. وتطور الحظر اللاحق الذي فرضته الولايات المتحدة على هواوي، والذي تغذيه المخاوف بشأن علاقات الشركة المزعومة بالحكومة الصينية، إلى صراع أوسع نطاقا من أجل التفوق التكنولوجي.
المخاوف الأميركية والحظر الأولي
كان الدافع وراء الهجوم الأولي على شركة هواوي هو المخاوف من إمكانية الاستفادة من وجود الشركة العالمي في مجال الاتصالات للتجسس لصالح الصين. وقد عكست الإجراءات اللاحقة التي اتخذتها الولايات المتحدة، بما في ذلك إدراج شركة هواوي ونظيراتها مثل شركة “زد تي إي” على القائمة السوداء، القلق المتزايد بشأن صعود الصين في المجالات التكنولوجية الحرجة.
وأدت شبكة من العقوبات إلى تشابك طموحات هواوي العالمية، مما منعها من الحصول على التكنولوجيا الأميركية الحيوية وإمدادات أشباه الموصلات. ورغم هذه العقبات، أذهلت شركة هواوي المراقبين بإنجازاتها في مجال الرقائق المحلية، والتي تجسدت في الهاتف الذكي “ميت 60″، الأمر الذي أدى إلى تكثيف التدقيق الأميركي على شركات أشباه الموصلات الصينية، يقول تقرير بلومبيرغ.
هيمنة هواوي وتصاعد المخاوف
وتؤكد بلومبيرغ أن مرونة هواوي في سوقها المحلي، مدعومة بارتفاع الأرباح والتقدم التكنولوجي، دليل كبير على دورها المحوري في طموحات أشباه الموصلات في الصين. وتشير نجاحات الشركة في مجال السيارات الكهربائية ونظام التشغيل “هارموني أو إس” (HarmonyOS) الخاص بها إلى توسع متعدد الأوجه يتجاوز الأجهزة، مما يزيد من مخاوف الولايات المتحدة بشأن براعة الصين التكنولوجية.
وحرّك صعود هواوي السريع من مجرد موزع للإلكترونيات إلى شركة تكنولوجية عالمية عملاقة، أجراس الإنذار في واشنطن وسط مخاوف من عمليات التجسس المحتملة ونقاط ضعف البيانات في البنية التحتية الحيوية مثل شبكات الجيل الخامس، يضيف التقرير.
اتهامات ومشاحنات قانونية
ولم يخل صعود هواوي -وفقا للوكالة- من التشابكات القانونية، حيث تراوحت الاتهامات بين انتهاك براءات الاختراع وادعاءات التجسس، مما زاد من تعقيد مكانتها وسمعتها العالمية.
ومن خلال إنكاره التواطؤ في التجسس وعزو القيود التي فرضتها الولايات المتحدة إلى حماية الهيمنة التكنولوجية الأميركية، برز رن تشنغفي مؤسس شركة هواوي بوصفه مدافعا قويا عن نزاهة الشركة واستقلالها.
وإلى جانب هواوي، تواجه شركات التكنولوجيا الصينية الأخرى تدقيقا وعقوبات متزايدة، مما يشير إلى حملة أوسع للحد من صعود الصين التكنولوجي، مع ما يترتب على ذلك من آثار على قطاعات بدءا من النفط إلى الذكاء الاصطناعي.
ويخلص التقرير إلى أنه مع استمرار هواوي في الإبحار عبر رياح جيوسياسية معاكسة، فإن مرونتها تلخص التزام الصين بالسيادة التكنولوجية، في حين تعمل على تضخيم المخاوف في واشنطن بشأن الملامح المتغيرة للقيادة التكنولوجية العالمية.
وفي هذه المعركة العالية المخاطر، يعدّ مصير شركة هواوي مؤشرا على توترات تكنولوجية أوسع نطاقا بين الولايات المتحدة والصين، مع عواقب بعيدة المدى على الإبداع العالمي والجغرافيا السياسية.