أعادت صحيفة الشروق الجزائرية نشر تحقيق دولي أنجزه “كونسورتيوم”، مكون من كبريات الصحف العالمية، شبيه بالذي فجر فضيحة “بيغاسوس”،الصحيفة قالت “ان التحقيق استثنى الجزائر من الإساءة إلى المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة، فيما أدان تونس وموريطانيا والمغرب ومعهم الاتحاد الأوروبي، بالتورط في انتهاك حقوق هذه الفئة الهشة.”
التحقيق استمر لمدة عام وعكف على إنجازه كل من صحيفة “واشنطن بوست”، و”دير شبيغل” و”آ آر دي”، الألمانية و”ال باييس” الإسبانية، و”لوموند” الفرنسية وصحف أخرى، وكشف أن أوروبا تمول عن عمد، وفي بعض الحالات تشارك بشكل مباشر في الاعتقال والطرد المنهجي للمهاجرين من المجتمعات السوداء في ثلاث دول على الأقل في شمال إفريقيا، هي كل من المغرب وتونس وموريتانيا، وتقوم في عمليات سرية بإلقاء عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة في الصحراء أو المناطق النائية كل عام، لمنعهم من القدوم إلى الاتحاد الأوروبي.
ووفق ما جاء في التقرير، فقد تم دفع الأموال اللازمة لهذه “العمليات” في الصحراء الكبرى، تحت غطاء “إدارة الهجرة”، وذلك بالرغم من ادعاء الاتحاد الأوروبي أن الأموال لا تدعم انتهاكات حقوق الإنسان ضد مجتمعات إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي شمال إفريقيا، كما تزعم بروكسل علنا أنها تراقب عن كثب كيفية إنفاق هذه الأموال، غير أن الواقع مختلف تماما.
وتظهر النتائج التي توصل إليها التحقيق أنه في كل من “المغرب وموريتانيا وتونس، يتم القبض على اللاجئين والعمال المهاجرين، الذين كان بعضهم في طريقهم نحو أوروبا، وكذلك الأشخاص الذين لديهم وضع قانوني وسبل عيش ثابتة في هذه البلدان، على أساس لون بشرتهم، ويتم تحميلهم في الحافلات ونقلهم إلى مكان مجهول، غالبًا ما يكون مناطق صحراوية قاحلة”، حيث “يُتركون بدون أي مساعدة أو ماء أو طعام، مما يجعلهم عرضة لخطر الاختطاف والابتزاز والتعذيب والعنف الجنسي، وفي أسوإ الحالات، الموت. فيما يُنقل آخرون إلى المناطق الحدودية، حيث يقال إن السلطات تبيعهم للمتاجرين بالبشر والعصابات التي تعذبهم للحصول على فدية.”
ويشير معدو هذا التحقيق إلى أنه يعتبر “المحاولة الأكثر شمولاً حتى الآن، لتوثيق المعرفة الأوروبية وتورطها في العمليات ذات الدوافع العنصرية المناهضة للمهاجرين في شمال إفريقيا”. ويكشف كيف “أن نظام النزوح الجماعي والانتهاكات هذا لم يكن معروفًا في بروكسل منذ سنوات فحسب، بل إنه يُدار بفضل الأموال والمركبات والمعدات والاستخبارات وقوات الأمن التي يوفرها الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية.”
وأجرى الفريق مقابلات مع أكثر من 50 ناجياً من عمليات الطرد هذه في كل من المغرب وموريتانيا وتونس – وجميعهم كانوا من بلدان جنوب الصحراء الكبرى أو غرب إفريقيا – مما ساعدنا على التعرف على الطبيعة المنهجية ذات الدوافع العنصرية لهذه الممارسات، كما قدم بعض الناجين مواد مرئية وبيانات عن رحلتهم، والتي تمكنا من تحديد موقعها الجغرافي لدعم حساباتهم ورسم خارطة لما حدث.
بالإضافة إلى المواد المرئية التي قدمها الناجون، استخدم المحققون أساليب مفتوحة المصدر للعثور على مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما سعوا إلى تحديد الموقع الجغرافي لهذه الحالات والتحقق منها. ففي المغرب مثلا، يقول المحققون: “تابعنا القوات شبه العسكرية التابعة للقوات المساعدة وقمنا بتصويرهم وهم يلتقطون السود من الشوارع ثلاث مرات على مدار ثلاثة أيام في العاصمة الرباط. قمنا أيضًا بتصوير أشخاص أثناء احتجازهم في مبان حكومية محلية قبل تحميلهم في حافلات لا تحمل علامات مميزة ونقلهم إلى مناطق نائية”.
ومن خلال التحدث مع موظفي الاتحاد الأوروبي الحاليين والسابقين، بالإضافة إلى مصادر داخل قوات الشرطة الوطنية والمنظمات الدولية التي لها وجود في البلدان التي يتم فيها ترحيل المهاجرين الأفارقة بطريقة وحشية، “أثبتنا أن الاتحاد الأوروبي على دراية جيدة بهذه العمليات وفي بعض الأحيان يشارك فيها بشكل مباشر”.
وإن أعرب المسؤولون الأوروبيون عن قلقهم إزاء تصاعد العمليات في المنطقة ضد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حسب التحقيق، ونفوا باستمرار استخدام الأموال في انتهاك الحقوق الأساسية، غير أن مصدرين كبيرين في الاتحاد الأوروبي قالا إنه “من المستحيل” تقديم تفسير كامل للطريقة التي تم بها استخدام التمويل الأوروبي في نهاية المطاف.
ونقل معدو التحقيق عن أحد المستشارين الذين عملوا في المشاريع التي يمولها الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي، والذي بموجبه منح الاتحاد الأوروبي المغرب ودولا مغاربية أخرى، أكثر من 400 مليون يورو لإدارة الهجرة في السنوات الأخيرة، عن أهداف الصندوق، والتي لخصت فيما يلي: “عليك أن تجعل المهاجرين أكثر استقلالية”، حياة صعبة، تعقيد حياتهم. إذا تركت مهاجراً من غينيا في (المغرب مثلا) مرتين، في المرة الثالثة سيطلب منك إعادته طوعاً إلى وطنه”.
وقد تمكن المحققون من الحصول على عدد من الوثائق الداخلية، يقول التقرير، بما في ذلك وثيقة من وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي “فرونتكس” في وقت سابق من هذا العام “تفيد بأن المغرب يقوم بالتمييز العنصري (ضد الأفارقة) ويقوم بنقل المهاجرين السود بالقوة. كما اكتشفنا أيضًا وثائق متاحة للعامة يصعب العثور عليها، والتي تُظهر
أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي أجروا مناقشات داخلية حول بعض الممارسات المسيئة منذ عام 2019 على الأقل. كما كشفوا أيضًا أن الاتحاد الأوروبي يمول بشكل مباشر القوات شبه العسكرية المغربية المساعدة، التي صورناها وهي تجمع الأشخاص ذوي البشرة السوداء في العاصمة (الرباط)”.
كما وثق المحققون، وفق ما جاء في التقرير، “المركبات التي استخدمت أثناء عمليات الاعتقال والطرد مع المركبات المقدمة من الدول الأوروبية من خلال تحديد المناقصات وإجراء التحليلات البصرية، الأمر الذي جعل الاتحاد الأوروبي في مرمى نيران الانتقادات”.
وفي هذا الصدد، قالت ماري لور باسيليان غاينشي، أستاذة القانون في جامعة ليون والمتخصصة في حقوق الإنسان والهجرة: “الحقيقة هي أن الدول الأوروبية لا تريد أن تتسخ أيديها. إنهم لا يريدون أن يتحملوا المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان والاستعانة بمصادر خارجية للآخرين. أعتقد أنهم مسؤولون بالفعل بموجب القانون الدولي”.