نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن التوتر القائم بين الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يعتبر لاعبا رئيسيا على الساحة السياسية، ورئيس الدولة الذي يريد وضع دستور جديد للبلاد.
وقالت الصحيفة، إنه قبل شهرين من الاستفتاء الدستوري والتشريعي المقرر إجراؤه في 25 جويلية , فقد الرئيس قيس سعيّد حليفًا استراتيجيًا، ولعل ذلك ما أكده تصريح الاتحاد العام التونسي للشغل بشأن امتناعه عن المشاركة في الحوار الذي اقترحه سعيّد الذي يهدف إلى تأسيس “جمهورية جديدة”.
وخلال مؤتمر صحفي في تونس عقد يوم الأربعاء,أكد الناطق الرسمي باسم الاتحاد سامي الطاهري:
"لم يتم استشارتنا منذ البداية فيما يتعلق بشروط هذا الحوار ولسنا مضطرين للعب دور مستشاري الرئيس".
وبينت الصحيفة أن المبادرة الرئاسية كانت تهدف إلى الرد على انتقادات المعارضة وشركاء تونس الأجانب بشأن انعدام الشفافية والاندماج في قرارات رئيس الدولة الذي تولى السلطة الكاملة في 25 جويلية 2021.
ولكن يبدو أنه كان لهذه المبادرة أثر عكسي.
وفي مرسوم قانون صدر في ماي، أنشأ قيس سعيد هيئة مسؤولة عن صياغة الدستور الجديد تتألف من ثلاثة هياكل: لجنة استشارية مسؤولة عن “الشؤون الاقتصادية والاجتماعية” مكونة من الاتحاد العام التونسي للشغل
ومنظمة أرباب العمل “أوتيكا” ونقابات وجمعيات أخرى، لجنة قانونية مكلفة بصياغة دستور جديد، ولجنة “حوار وطني” تتولى تلخيص التقريرين السابقين “من أجل إقامة جمهورية جديدة” وفق أحكام المرسوم.
“قرار بعيد جدا عن الواقع”
حسب المحامية منى كريّم الدريدي “لم يشمل هذا الحوار أحزابا سياسية ولا مكونات مجتمع مدني ويجب أن “يقدم تقريرا بحلول 20 جوان قبل الانتقال إلى استفتاء جويلية، إنه غير واقعي تمامًا: لا أحد يكتب دستورًا جديدا في غضون 20 يوما، ثم يشرح للشعب مشروع إصلاحات دستورية وتشريعية في أقل من شهر“.
رجّحت الصحيفة أن يكون الاتحاد العام التونسي للشغل قد توصل إلى نفس الاستنتاجات من خلال قراره رفض الحوار الذي اقترحه رئيس الدولة، بعد أن قدم له الدعم .
في هذا السياق، يقول سمير الشفي، نائب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل:
"لقد كنا متسامحين للغاية مع الإجراءات المتخذة منذ 25 يوليوتموز، بل ودافعنا عن المسار الجديد الذي تسلكه البلاد، لكن هذا القرار بعيد جدا عن الواقع".
في سياق سياسي متوتر، يبدو أن هذا الرفض له مغزى رمزي مهم.
وحسب الباحث في العلوم السياسية محمد ضياء الهمامي
: "يرسل موقف الاتحاد العام التونسي للشغل إشارة. فهو يحدد الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها، بينما حتى الآن بدا أن قيس سعيّد يتصرف دون أن يواجه أي مقاومة حقيقية لقراراته".
وأشارت الصحيفة إلى أن إعلان الاتحاد كان بمثابة “صاعقة”.
وقد عبّر عمداء الجامعات، الذين كان من المفترض أن يلعبوا دورا استشاريا في إحدى اللجان، بالإجماع عن رفضهم المشاركة متذرعين بالمادة 15 من الدستور التي تنص على “حياد الإدارات”.
“حوار صوري”
أصدر الرؤساء السابقون للرابطة التونسية لحقوق الإنسان بيانًا يؤيّد موقف الاتحاد العام التونسي للشغل عبروا فيه عن “عدم رضاهم العميق عن الوضع السياسي والحقوقي في البلاد”.
كما عبّر 63 محاميا من خلال عريضة عن عدم تأييدهم لرئيس نقابة المحامين الوطنية، إبراهيم بودربالة – وهو صديق مقرب لقيس سعيّد سيرأس اللجنة الاقتصادية والاجتماعية.
نقلت الصحيفة عن مهدي العش، المحلل القانوني والباحث في المنظمة غير الحكومية “المفكرة القانونية” قوله إنه
"من الصعب معرفة ما إذا كان قيس سعيّد سيتراجع لأن الحوار الوطني كما اقترحه كان على أي حال 'صوريًا' لإضفاء الشرعية على خارطة الطريق".
يجب أن يسبق الاستفتاء على الدستور المقرر إجراؤه في 25جويلية تنظيم الانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر.
لدى الاتحاد العام التونسي للشغل أدوات ضغط أخرى، حيث يلوح بخطر الإضراب العام في القطاع العام لإقناع الحكومة بزيادة الأجور، وهي حركة احتجاجية مخطط لها منذ شهرين، ولكن سيتم جدولتها في الوقت المناسب.
يوضح مهدي العش "إنها لعبة سياسية للاتحاد العام التونسي للشغل، ستجد الحكومة نفسها في موقف مربك. فإما أن تحاول الرئاسة التفاوض مع الاتحاد على المستوى الاجتماعي لاستعادة دعمه، أو يترك قيس سعيّد الحكومة تتولى إدارة المسألة الاقتصادية لوحدها. لكن التاريخ السياسي التونسي أظهر أنه نادرا ما يمكنك الفصل بين الإثنين".
وذكرت الصحيفة أن هذه المعادلة معقدة في وقت تجري فيه تونس محادثات مع صندوق النقد الدولي على أمل الحصول على قرض جديد، ويتعين عليها مقابل ذلك تقديم برنامج للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن قيس سعيّد يبدو معزولا بشكل متزايد في مواجهة معارضة الأحزاب السياسية واستياء الهيئات الوسيطة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل وكذلك جزء من النخب التونسية. لكن محمد ضياء الهمامي يرى أن “هذا لا يكفي بالضرورة لعكس مسار الأمور”.
وحسب آخر استطلاعات الرأي، يعاني المركز النقابي بدوره من الانقسامات الداخلية ولا تزال بعض فروعه مؤيدة للرئيس وكذلك الرأي العام.