” خضْرا الميادين” التونسية أنس جابر .. “وزيرة السعادة” وصانعة الفرجة ” هكذا عنونت صحيفة هسبرس المغربية التقرير الذي أعدته وكالة فرانس براس حول مسيرة لاعبة التنس أنس جابر .
أنس جابر في ملاعب الفنادق خلال طفولتها، ثم مع الفتيان، قبل أن تحطّم الحواجز ببلوغها نهائي ويمبلدون، ثالث البطولات الأربع الكبرى، للمرّة الثانية على التوالي، لكن الحظ عاندها مجدداً في سعيها لتصبح أول لاعبة إفريقية وعربية تحرز لقب بطولة كبرى في كرة المضرب.
إنجاز تلو الآخر: أوّل لاعبة عربية في ربع نهائي بطولة كبرى في أستراليا 2020، وأول عربية متوّجة بدورة احترافية في برمنغهام 2021، والأولى عربياً بين العشر الأوليات في التصنيف العالمي وصولاً إلى الوصافة، وأوّل متوّجة بلقب إحدى دورات الألف في مدريد في ماي 2022، قبل إنجازيها في ويمبلدون في جويلية 2022 عندما خسرت النهائي، ثم فلاشينغ ميدوز على الرغم من خسارتها في النهائي أمام البولندية الأولى عالمياً إيغا شفيونتيك.
تمكنت خلال عام 2022 من الوصول إلى الترتيب الثاني عالمياً، لكنها سرعان ما تراجعت إلى السادس، وتبقى فخورة بتونس، وطنها وبلد نشأتها “حيث تدرّبت بين الثالثة والسادسة عشر أو السابعة عشر”.
لم تشارك هذا العام في أربع دورات بسبب الإصابة التي أبعدتها عن ملاعب الكرة الصفراء. لكنها تسلقت السلم درجة درجة، حتى بلغت نهائي ويمبلدون مجدداً عن جدارة، حيث خسرت، السبت، بمجموعتين أمام التشيكية ماركيتا فوندروشوفا.
إنسانية وجرأة
في مبادرة إنسانية منها، قامت خلال شهر يوليوز 2021 ببيع مضربيها في المزاد العلني لشراء معدات طبية ومساعدة المستشفيات في بلادها، التي شهدت موجة “تسونامي” من جائحة “كوفيد-19″، وساهمت في ترميم وإعادة تهيئة مدارس ومعاهد في محافظات مهمّشة شمال غرب تونس.
يُعرف عنها الجرأة والصرامة في اللعب، ولا تتردّد في أن تتوقف لتطلب من أحد المشجعين التزام الصمت لتتمكن من التركيز.
وصمّمت شركة المستلزمات الرياضية “لوتو” قميصاً خاصاً بها كُتب عليه “يلّا حبيبي”، في إشارة إلى أن اللاعبة “مصدر إلهام للآخرين”.
مرحة وتسعى دائماً إلى التعليق بطريقتها الخاصة، حيث كانت تملك الجرأة لطلب الاستماع إلى إيقاعات وأغان تونسية بعد كل مباراة كانت تنتصر فيها خلال دورة برلين التي أحرزت لقبها في 2022. وتفاعل معها المسؤول عن التنشيط في الملعب، وبث لها خصيصاً مقطعاً من أغنية لفنان الراب التونسي بلطي.
وأثنت بطولة ويمبلدون على أدائها هذا الأسبوع، ونشرت على صفحتها الرسمية بموقع “فيسبوك” باللغة العربية بيتا شعريا لشاعر تونسي يتغنى ببلاده: “حَيّا نَسيمُكَ حَتّى كادَ يُحييني.. يا تونِسَ الأُنسِ يا خَضرا المَيادينِ”.
الوالدة الملهمة
وُلدت أنس أو “وزيرة السعادة”، كما يلقّبها التونسيون، بمدينة قصر هلال الساحلية (شرق) في 28 أوت 1994 في عائلة تتكوّن من شابين وفتاتين هي أصغرهم.
وعن الدور الكبير الذي لعبته والدتها سميرة في إطلاق مسيرتها، تقول أنس: “والدتي كانت ملهمتي. هي عاشقة كبيرة للتنس، وقد أخذتني إلى ناد للتنس عندما كنت بعمر الثالثة. كانت تمارس اللعبة مع أصدقائها، وكنت أقوم بالتعليق”.
وتابعت “كنت أمضي كل النهار سعيدة في نادي التنس لدرجة أني كنت أنسى تناول الطعام”.
وقالت لوالدتها “+يوما ما سأجعلك تشربين القهوة في رولان غاروس.”+
كانت بداية أنس في محافظة سوسة الساحلية شرق البلاد، في ملاعب بملكية فنادق في المنطقة السياحية، ثم انتقلت إلى ملعب “نادي حمّام سوسة” في المحافظة ذاتها، “بدأت في ناد صغير في بلدتي في المنستير، ثم انتقلنا إلى حمام سوسة (شرق). لعبت هناك في الفنادق لعدم تواجد أندية كرة المضرب”.
وأردفت جابر، التي بدأت خطواتها الأولى بمركز النهوض بلعبة كرة المضرب في المدرسة مع مدربها آنذاك نبيل مليكة، أنه “بعد خوض دورات محلية وتحقيق نتائج جيدة، خضت أول دورة دولية في باريس عندما كنت بعمر العاشرة. وفي عمر الثالثة عشر ذهبت إلى تونس العاصمة للتدرب والدراسة في الوقت عينه”.
مدرّبها مليكة، الذي رافقها طوال عشر سنوات، اكتشف موهبة فريدة بشخصية “تحاول أن تكون متميزة” عن بقية رفاقها من البنات والأولاد كذلك.
كرة اليد وكرة القدم
يشرح مليكة، الذي رافقها حتى بلوغها الثالثة عشر، “كانت لها قدرات تحكّم كبيرة في الكرة، حتى أن مدربين آخرين حاولوا استقطابها لكرة اليد، وفعلا فكّرت أنس بجدية في تغيير اختصاصها، لكني تمسّكت ببقائها في رياضة التنس”.
يقول زميلها السابق عمر العبيدي لوكالة “فرانس برس” أمام ملعب للتنس يحمل اسمها تكريماً لها في “نادي حمّام سوسة” حيث أمسكت البطلة المضرب لأوّل مرة “أتذكر أننا كنا نلقبها بروجيه فيدرر”، نسبة إلى أسطورة التنس السويسري.
وتابع “واجهتها خلال التمارين، فرمت كرة ساقطة حاولت اللحاق بها، لكني سقطت وكُسرت يدي”. ومنذ ذلك التاريخ “تلقبني بالخبيزة (باللهجة التونسية تعني المغلوب) “.
انتقلت إلى المعهد الرياضي بالمنزه (حكومي يضم نخبة من الرياضيين) لتبدأ مشواراً جديداً في “مدرسة رياضة متخصّصة للأطفال الموهوبين، وساعدني هذا الأمر على التدرب أكثر والتطور”.
أوّل نجاح دولي لجابر كان في بطولة الناشئات في رولان غاروس عندما أحرزت اللقب، حيث “توجت في 2011 برولان غاروس للناشئات بعمر السادسة عشر، لكني عانيت كثيرا للانتقال من فئة الناشئات إلى دورات المحترفات”.
عاشقة لكرة القدم وناديي النجم الساحلي التونسي وريال مدريد الإسباني، قال عنها مدربها السابق الفرنسي برتران بيريه عام 2020: “لو كان بمقدورها استبدال تمارين التنس بكرة القدم ستكون الأكثر سعادة”.
صناعة الفرجة
شدّت الأنظار نحوها خلال بطولة أستراليا المفتوحة عام 2020 (78 عالمياً)، إذ كانت أوّل لاعبة عربية تتأهل إلى ربع النهائي في بطولة “غراند سلام”.
وفي يونيو 2021 (24 عالمياً) فازت بدورة برمنغهام لتكون تبعاً لذلك أوّل لاعبة مغاربية تحقق هذا الإنجاز.
وقدمت في موسم 2022 مستويات مميزة، محرزة لقب دورة مدريد الألف على ملاعب ترابية، ووصلت إلى نهائي دورة روما الألف أيضاً، حيث خسرت أمام شفيونتيك الأولى عالمياً. كما رفعت كأس دورة برلين (500) على الملاعب العشبية، حيث حققت إنجازاً رائعاً ببلوغ نهائي ويمبلدون، وقد خسرت أمام الكازاخستانية إيلينا ريباكينا.
يبلغ طولها 1.67 م، وترتكز في لعبها على يدها اليمنى. هي متزوجة منذ عام 2015 من لاعب المبارزة السابق ومعدها البدني حالياً كريم كمّون، ويدرّبها اللاعب السابق عصام جلالي.
يُعرف عن أنس أن لديها أسلوب لعب خاصا في طريقة التعامل مع منافساتها خلال المباراة، وتبحث عن تقديم العروض الجميلة، “هي تكره اللعب بنسق واحد، تبحث دائما عن خلق الفرجة بتنويع اللعب بضربات تفاجئ بها الخصم، خصوصا منها الكرات الساقطة”، حسب مليكة الذي يؤكد أنها “فعلا ملكة الـ+دروب شوت+ منذ زمن”.