اثار قرار قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية العسكرية بتونس القاضي بحفظ تهمتي التآمر على امن الدولة و الإساءة الى السمعة الديبلوماسية للدولة المنسوبة للمظنون فيهم من ذوي الصفة الأمنية في ما يعرف بقضية وليد بلطي و من معه و منهم نادية عكاشة مديرة ديوان رئيس الجمهورية المقالة و التخلي عن النظر بخصوص من لهم الصفة المدنية لفائدة قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس لغطا قانونيا الى درجة القول بوجود تنازع سلبي في الاختصاص الحكمي بين القضاء العدلي و القضاء العسكري و وجوبية التعديل بين القرارين وهو أمر غير مستساغ قانونا .
للتذكير فانه سبق فتح بحث تحقيقي ضد 25 شخصا من اجل التآمر على امن الدولة الداخلي و الخارجي و من بين المظنون فيهم عناصر تابعة لقوات الامن الداخلي و قد تعهد بالبحث احد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس.
بعد انطلاق أعمال الاستقراء انتهى قاضي التحقيق المكلف الى التخلي عن النظر في القضية تطبيقا لمقتضيات الفصل 22 من القانون المنظم لقوات الامن الداخلي لسنة 1982 و الذي جاء به انه تحال وجوبا على المحاكم العسكرية الملفات التي تتضمن تتبع اعوان من قوات الامن الداخلي من اجل جرائم الاعتداء على امن الدوله الداخلي او الخارجي و كذلك الجرائم التي يرتكبها الاعوان المذكورين أثناء فض التجمهرات و الاجتماعات التي ينظمها القانون عدد 4 لسنة 1969 وهو المدخل القانوني الذي تم اعتماده سابقا لمقاضاة كبار المسؤولين الآمنين و الضباط امام المحاكم العسكرية على خلفية احداث 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 .
تراءى لقاضي التحقيق العسكري المنتدب للبحث في القضية انه لم يعد هنآك موجب لمواصلة تتبع المظنون فيهم من المدنيين امام المحكمة العسكرية بعد ان تم حفظ التتبع الجاري بشان من لهم صفة اعوان قوات الامن الداخلي و يعود بذلك الاختصاص الاصلي الى القاضي العدلي لمباشرة أعمال الاستقراء بشأن البقية .
يبدو ان هذا الموقف القانوني اتخذ بالتنسيق مع النيابة العسكرية التي لم تطعن في قرار التخلي الجزئي عن النظر في القضية مع اني أرى انه مخرج قانوني قابل لنقاش مستفيض لان الامر يتعلق بملف واحد فضلا على انه يتعارض مع روح النص بدليل ان المشرع لم يتح صلب قانون 1982 المشار اليه الإمكانية القانونية لتفكيك الملف و افراد الأطراف الامنية بتتبع مستقل امام المحكمة العسكرية و انما أوجب احالة الملف برمته امام القضاء العسكري للنظر في التتبع ضد كل الضالعين مدنيين كانوا او امنيين.
ان القرار الصادر عن قاضي التحقيق العسكري يتضمن تفكيكا مبطنا للملف بأن بت في التتبع الخاص بالامنيين و تخلى عن النظر بشأن المدنيين رغم ارتباط الأفعال.
رغم هذا النقاش القانوني الجدي بخصوص مرمى القرار الصادر عن قاضي التحقيق العسكري فإن الامر لا يتعلق بتنازع سلبي في الاختصاص الحكمي و لا وجود لموجب لتدخل محكمة التعقيب للتعديل بين القرارين الصادرين عن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس و قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية العسكرية بتونس لان الاول سبق له التخلي لوجود مظنون فيهم لهم صفة امنية اما الآن فإن المعطى الذي برر سبق التخلي لم يعد موجودا بعد ان تم حفظ التتبع بشأن الأطراف الأمنية و بالتالي فإن قاضي التحقيق العدلي سيتعهد بالبحث الجاري ضد أطراف مدنية فقط بموجب قرار جديد في فتح بحث تحقيقي .
يبقى التساؤل القانوني الآن هو البحث عن مدى حجية قرار الحفظ الصادر بشأن الأطراف الأمنية على التتبع الجاري ضد المدنيين اذا وجد تشارك إجرامي بين طرف امني و طرف المدني ؟ و هل ان قاضي التحقيق المدني سيكون محجوجا بالابحاث التي باشرها التحقيق العسكري و النتائج المنتهى إليها؟
** الأستاذ عماد بن حليمة محام