في تعليقه على المادة الاخبارية التي تقدمها قناة الجزيرة القطرية التي تفرغت كليا لتغطية الحرب على غزة طوال ال100 اليوم الأخيرة شن عدد من المحللين العرب حملة تشكك في حيادية هذه القناة وحملوها مسؤولية نشر الأوهام بين المتلقين العرب مما يعيد الى الأذهان ما فعله من قبلهم الاعلام العربي خلال نكسة عام 1967 .
يقول الكاتب السعودي البارز عبدالعزيز الخميس ” حينما تصر وسيلة اعلامية على بث تحليلات عسكرية وسياسية لنفس الأشخاص، وبشكل مكرر، لا يوجد تحليلات إلا لنفس الأشخاص رغم أنهم لا يعملون في قناتها بل هم ضيوف، ولا تفتح المجال لتحليل عسكري محايد ومستقل، وحينما لا تسمع إلا نفس الأفكار التي تثبت الأيام فشلها، فاعلم أن هذه الوسيلة كاذبة في ادعاءها الحياد والاستقلالية فهي ليست سوى بوق لتوجه واحد. وهي وسيلة لتوجيه وخداع الراى العام وقيادته نحو الشعور باليأس بعد ان يكتشف الحقيقة، وهذا ما حل بعد كارثة 67.”
الكاتب عبد العزيز أحمد العمران قال بدوره ” ان أوضح مثال على تلك الأبواق المخادعة العميلة هي تلك القناة التي أسسها ورسم لها خارطة طريق عملها عدة أجهزة استخبارات منها البريطانية والأميركية والإسرائيلية . . ولكن هناك من يلتمس العذر لمن احتضنها حيث هو “مكره أخاك لا بطل” وليس له من الأمر شيء . .. على سبيل المثال ؛ لماذا تهاجم تلك القناة مصر ؟ أتحدى أن يأتي أحد بسبب مقنع إلا أنها تنفذ أوامر من فرضها على أجواء المنطقة.”
صقر بن عبدالله قال بدوره وهو يشير لما تبثه قناة الجزيرة “هم يريدون محلل حسب توجههم ، هم يقودون الشارع برأيهم المزيف ، لا يريدون محلل يكشف زيف الاحداث او يوضح للعالم الحقيقة ، والمشكلة ان لهم جمهور من الدراويش يتابعونهم بشغف .”
ازدواجية الخطاب
طلب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني تخفيف حدة خطاب شبكة الجزيرة حول الحرب في غزة، فيما يبدو أنه يقصد القناة الناطقة بالعربية، وهو ما أثار الجدل مجددا حول ازدواجية خطاب الجزيرة في نسختيها العربية والإنجليزية. وأكد موقع “أكسيوس” الأميركي أن تعليقات بلينكن تشير إلى أن الإدارة الأميركية التي أكدت دعمها للصحافة المستقلة على مستوى العالم، تشعر بالقلق من أن تأطير الجزيرة للصراع قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة.
وتكمن المفارقة في أن الإدارة الأميركية، بمختلف الرؤساء الذين تعاقبوا عليها، لطالما كانت تطمح إلى أن تصبح الجزيرة منبرا محايدا بالمعنى الأميركي، بحيث يقتصر عملها على نقل الرؤية الأميركية للأحداث، بينما تعمل إدارة القناة من أجل الوصول إلى هذه الغاية ولتصبح جزءاً من ماكينة الأمركة بتحولها إلى أداة تعمل على تحويل المشاهد العربي إلى مستهلك ومتلق لا يفكر.
وقد وصف مجلس العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي قناة الجزيرة بأنها إحدى أدوات القوة الناعمة للحكومة القطرية التي تسمح لها بالتأثير السياسي في الشرق الأوسط وحول العالم. وأوضح الموقع أن بلينكن أخبر زعماء اليهود الأميركيين الاثنين بأنه عندما كان في الدوحة يوم 13 أكتوبر طلب من الحكومة القطرية تغيير موقفها العلني تجاه حماس، حسب ما قاله ثلاثة أشخاص حضروا الاجتماع.
ووفقا للحاضرين الثلاثة قال بلينكن إنه طلب التخفيف من حدة خطاب قناة الجزيرة في تغطيتها للحرب على غزة. وذكر مصدر أن بلينكن طلب من القطريين “خفض حجم تغطية الجزيرة لأنها مليئة بالتحريض ضد إسرائيل”. وأضاف “يبدو أن بلينكن كان يتحدث عن شبكة الجزيرة بنسختها العربية وليس الإنجليزية”.
تعتبر ازدواجية الخطاب من أهم سمات قناة الجزيرة في نسختيها العربية والإنجليزية، وهو ما يظهر من خلال الاختلاف الجوهري بين خطاب القناة باللغة العربية وتوجه القناة باللغة الإنجليزية وما ينشر في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لكل منهما، حيث يعتمد الخطاب الموجه إلى العرب على التعاطف مع التطرف وقوى الإسلام السياسي وميليشياتها المسلحة وانتقاد كل ما يتناقض مع مشروع الإخوان من ثقافة الحداثة والانفتاح والتقدمية والليبرالية والوحدة الوطنية، وما تعود مذيعوها على تسميته بـ”القومجية”، في إشارة إلى أي مشروع قومي حضاري، عكس الخطاب الموجه إلى الغرب باللغة الإنجليزية والذي يدافع عن الديمقراطية والحريات والانفتاح والتسامح وينتقد التطرف والإرهاب.
ويلاحظ المتابعون وجود مفارقات لافتة في الخط التحريري للقناتين العربية والإنجليزية الممولتين بالكامل من الحكومة القطرية، فالجزيرة الإنجليزية تستخدم كلمة “قتيل” فيما يخص الصراع العربي – الإسرائيلي، بينما تسوق القناة الناطقة باللغة العربية الشحنة العاطفية والأيديولوجية إلى الجمهور العربي عبر استخدام كلمة “شهيد”.
والمثال الآخر الذي يدركه المتابع للجزيرة الإنجليزية هو استخدامها مصطلح “الجدار الأمني” الذي بنته إسرائيل للسيطرة على المزيد من أراضي الفلسطينيين، بدلاً من مصطلح “جدار الفصل العنصري” المستخدم في القناة الناطقة بالعربية. أما مصطلح “قوات الاحتلال الإسرائيلي” المستخدم في العربية، فغالبا ما لا يستخدم في القناة الإنجليزية ويكون البديل “القوات الإسرائيلية”. ومن المفارقات الأخرى بين القناتين أن الإنجليزية عينت الناطق باسم القوات الأميركية في قاعدة العديد جوش رشنج مراسلاً لها.
ويقول متابعون إن القناة القطرية تتهم القوى المتشددة في المنطقة العربية بالتطرف في خطابها الإنجليزي الموجه إلى الدول الغربية بينما الخطاب باللغة العربية يتماهى مع توجهات الإخوان والجماعات المتشددة ومن تحاول استقطابهم لمشروعها.
وكشف المحاضر والباحث الفلسطيني محمد أحمد أبوالرب في كتابه “الجزيرة وقطر.. خطابات السياسة وسياسات الخطاب” أن إتاحة منبر لمن لا منبر له ليس سوى تصدير لتصور ساذج حول واقعة معينة، يراد من خلالها إثارة جمهور المرئي وإشغاله بوعي من قبل الوسيلة الإعلامية.
ويقول الكتاب إن “ما يميز عمل كل من القناتين، أن النموذج العربي يعتمد على تصوير الأحداث بقالب عاطفي ومؤدلج بما يتناسب مع رغبات الجمهور العربي، ويعترف المحرر في الجزيرة إبراهيم هلال بأن العاطفة جزء من القصة، وأن روح الكذب الإخباري في العاطفة. أما بالنسبة إلى القناة الناطقة بالإنجليزية فإنها تطبق النموذج الأميركي في الإعلام، حيث إن خسارة الهدوء تعني خسارة الموضوعية، وخسارة الموضوعية تعني أن النقاش وما يصدر على أنه حقائق (أصبحا) توقعات”.
ويتفق الكتاب مع عادل إسكندر، أستاذ الإعلام بجامعة جورج تاون، في اعتبار أن القناة العربية هي “الرأي” بينما القناة الإنجليزية هي “الرأي الآخر”، والدافع إلى هذا التصنيف هو الفروقات في خطابيْ القناتين.
وكثيرا ما انتقدت وسائل إعلام غربية ازدواجية خطاب الجزيرة في نسختيها، ليس فقط ما تعلق منه بالجانب السياسي، بل أيضا ما اتصل بالقضايا الاجتماعية والجندر، حيث تحدثت وسائل إعلام عما اعتبرته نفاق الجزيرة في التعاطي مع الأحداث وتناقضاتها. وفي تحقيق لها راجعت كيفية تعاملها مع قضايا المثليين في العالم ضمن قنواتها وحساباتها، حيث تسوّق للمثليين وتدافع عن قضاياهم باللغات المختلفة وتمنع الحديث عنها في منصاتها باللغة العربية.