في مقال للمجلة الألمانية ذائعة الصيت دير شبيغل تساءل المحققون في الصحيفة ” من أرسل قارب اللاجئين المكتظ إلى البحر الأبيض المتوسط؟ اعتقلت السلطات اليونانية تسعة مصريين. لكن يبدو أن الداعمين الحقيقيين ينتمون إلى خليفة حفتر – أمير الحرب الليبي الذي وقع في شرك الاتحاد الأوروبي.”
أظهر التحقيق الذياجرته المجلة تورط عناصر تابعة لقوات القيادة العامة في أنشطة تهريب المهاجرين إلى أوروبا، ونسب إليهم المسؤولية عن مأساة غرق مركب للصيد، جوان الماضي، قبالة سواحل اليونان، مما أسفر عن غرق المئات.
وشارك مراسلون من «دير شبيغل» في تحقيق أجرته المجلة، إلى جانب مراسلين من مجلة «إل بايس» الإسبانية، ومنظمتي «مراسلون متحدون» و«مجموعة الإنقاذ الموحدة»، حيث أجروا لقاءات مع أقرباء ضحايا مهاجرين لقوا مصرعهم في القارب الذي غرق قبالة سواحل اليونان، بالإضافة إلى 17 من الناجين، ومصادر في ليبيا، وحللوا وثائق المحكمة في أثينا.
وزعمت المجلة الألمانية أن «التحقيق لا يبرئ المتهمين المصريين التسعة الخاضعين للمحاكمة أمام القضاء اليوناني. لكنه توصل إلى أن الأشخاص الحقيقيين المتورطين خلف عملية العبور تلك هم في شرق ليبيا».
وأشارت «دير شبيغل» إلى أن ثلاثة مصادر: أحد الناجين وشخص يعمل في التهريب ومصدر ليبي، زعموا بشكل مستقل أن أحد المتورطين في إطلاق مركب الصيد رجل يدعى محمد. أ، ويعمل لمصلحة «الضفادع»، وهي وحدة قوات خاصة تابعة للبحرية الليبية.
كما أشار التقرير إلى انتعاش أنشطة تهريب المهاجرين بشكل ملحوظ في شرق ليبيا خلال العام الماضي. وفي تلك الأثناء، «انتقل مسار تهريب المهاجرين من غرب ليبيا إلى شرقها»، لكن «دون اهتمام قائد القيادة العامة للجيش الليبي المشير خليفة حفتر»، على حد تعبير المجلة الألمانية.
ومع ذلك أوضح التقرير أن الناطق باسم المفوضية الأوروبية قال إن المفوضية لا تملك تفويضا لإجراء تحقيقات في هذا الشأنة.. ولم ترد حكومات مالطا وإيطاليا على طلبات التعليق على التقرير. كما رفض خفر السواحل اليوناني الرد على الأسئلة.
وقالت «دير شبيغل» إن إيطاليا ومالطا على وجه التحديد تتقربان من حفتر خلال الأشهر الماضية، بغرض إبرام اتفاق معه بشأن الهجرة غير الشرعية في وقت قريب. وأضافت: «يرغب البلدان في أن يلعب حفتر وقواته دور الحارس الأوروبي، ويوقف تدفق المهاجرين».
وأضافت «في حال ثبت صحة تلك المزاعم، فإن الطرف الذي تستعد أوروبا لإعلان شراكة معه هو المتورط نفسه في تهريب المهاجرين. كما أن مأساة البحر المتوسط قد تكشف ضعف سياسة الهجرة الأوروبية، فالاتحاد الأوروبي يعتمد على شركاء مشكوك في أمرهم، وعلى قوات إجرامية تسعى للمكسب المضاعف».
تورط كتيبة «طارق بن زياد» في تهريب المهاجرين من شرق ليبيا
ونقلت «دير شبيغل» عن مهاجر سوري يدعى ضيان النعمان قوله: «حينما وصلت شرق ليبيا، وجدت رجال كتيبة طارق بن زياد في انتظاري من مطار بنغازي، وعلى الرغم من الحراسة الشديدة في المدينة، فإن السائق تمكن من عبور عديد نقاط التفتيش دون مشكلة».
ويتذكر النعمان كيف ألقى السائق نكاتا عن ركاب مصاحبين له، قائلا: «بالتأكيد سيذهب إلى البحر.. هل يأتي السوريون هنا من أجل السياحة؟»، مضيفا أنه دفع 4500 دولار من أجل العبور إلى أوروبا. وكان الاتفاق على نقله إلى إيطاليا، ومنها إلى ألمانيا.
ونقلت «دير شبيغل» عن الباحث في الشأن الليبي جلال الحرشاوي قوله «قلما يحدث شيء في شرق ليبيا دون علم حفتر. حفتر لا يمكنه أن يزعم أنه غير متورط في أنشطة التهريب».
كما نقلت المجلة عن أحد الناجين من انقلاب مركب الصيد قبالة سواحل اليونان قوله: «كل عمليات الإنطلاق من شرق ليبيا تحدث تحت إشراف نجله، صدام حفتر»، مضيفا أن طاقم مركب «أدريانا»، أحد مراكب الصيد التي انطلقت من شرق ليبيا أوائل جوان الماضي، غادر في ساعات الفجر المبكرة، بعدما جرى نقل الركاب في الليلة السابقة من مخزن إلى مدينة طبرق.
وزعم أحد الناجين كذلك أن المهربين «حصلوا على تصريح من قوات تابعة لحفتر، وأنه لم يكن ليسمح لهم بالمغادرة دون هذا التصريح». وقال أحدهم: «محمد أ، عضو وحدة الضفادع، دفع رشوة، لضمان إغلاق أجهزة الرادار في الوقت المناسب».
الاتحاد الأوروبي على علم بتورط قوات حفتر في أنشطة التهريب
ونوهت «دير شبيغل» إلى أن «الاتحاد الأوروبي على علم بتورط حفتر وقواته في أنشطة التهريب». وأخبر موظفو الأمم المتحدة دبلوماسيين أوروبيين، بداية جانفي الماضي، أن «مغادرة قوارب الهجرة تمثّل مصدر دخل مربحا للقوات في شرق ليبيا».
لكن تلك الحقيقة لم تمنع دول جنوب أوروبا من مواصلة العمل مع حفتر على حد تعبير المجلة. ففي ماي الماضي، دعته رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، إلى روما. وبعد فترة قصيرة، توجه وفد من مالطا إلى بنغازي. وأعلن وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بينتيدوسي: «سنطلب من حفتر مزيدا من التعاون، لوقف انطلاق المهاجرين».