بعد أن قرر المشرفون على مهرجان الحمامات الدولي حرمان مسرحية “آخر البحر” للفاضل الجعايبي من المشاركة في دورته الصيفية أكد الناقد والكاتب المعروف عبد الحليم المسعودي بأن القرار استند الى تعلات أخلاقوية تجاوزها الزمن وهو ما سانده فيها العديد من الفاعلين في الشأن الثقافي .
وكتب المسعودي تدوينة جاء فيها ” العقل الثقافوي” الذي يمارس الرّقابة على مسرحية “آخر البحر” للفاضل الجعايبي ويحرمها من المشاركة في برنامج مهرجان الحمامات الدولي بتعلات أخلاقوية لا يستأهل أن يكون مسؤولا عن الشأن الثقافي في مؤسسة ثقافية بحجم المركز الدولي المتوسطي للحمامات، ولا أظن أن هذا “العقل” يفقه شيئا في المسرح التونسي أو في تاريخه الإبداعي و النضالي أو في فاعلية العلاقة بين المسرح وجمهوره، وإن هذه الممارسة لشتيمة في حق المبدعين والمثقفين وفي حق المسرحيين أنفسهم وشتيمة في حق وزارة الإشراف و مؤسسة المسرح الوطني التونسي المساهمة في إنتاج هذه العمل الابداعي الشاهق “آخر البحر” …. هذا “العقل الثقافوي” الذي أسميه تجاوزا بــ “العقل” يبرهن عن تلك البذاءة الذهنية الرسوبية والنكوص الإرتدادي المتخفي باسم الأخلاقوي على حساب بناء الوعي العام نقديا و تفكيكيا عبر الفن الجاد ، وعن ذلك الفقر المدقع لفهم التحولات الفكرية و الجمالية التي تعيشها تونس منذ الثورة.
الناقدة التونسية المعروفة فوزية مزي قالت ما حصل هو “مؤسف ومخز ان يحدث ذلك في العيد الستيني لمهرجان الحمامات الدولي الذي اقترن مساره بل و منشؤه بالانفتاح على الثقافة والفنون في مداراتها الكونية”
المخرجة التونسية أمينة الدشراوي علقت على الأمر بأنه “خطير ”
الممثلة المسرحية نجوى ميلاد قالت ان ما حصل مع الجعايبي حصل معها في وقت سابق ” مارس هذا العقل الثقافوي عليا نفس الرقابه بنفس التعلات الاخلاقويه ولم يساندني أحد منكم لله دره الاستاذ الجعايبي ومع هذا حاربت وحدي لسنتين وتبرمجت في الحمامات سنة 2022 “
تدور أحداث المسرحية في تونس سنة 2015. وتتمحور حول امرأة ذات أصول يمنية هربت من وطنها مع رجل تونسي إلى تونس طمعا في حياة أفضل من حيث الحقوق والحريات واحترام المرأة ومكتسباتها، لكنها تصطدم بواقع لا يختلف كثيرا عن واقعها في وطنها اليمن أو حتى في أي دولة عربية أخرى. وبعد قتل طفليها بوحشية، تنصب لها محاكمة على جريمتها، لكنها ترفض الفرار وتختار مواجهة مصيرها، فتتجند لها محامية وناشطة حقوقية للدفاع عنها أمام المؤسسة القضائية وأمام “المحاكم الشعبية” و”محاكم الإعلام” و”منصات التواصل الاجتماعي”.
ويؤدي الأدوار في هذا العمل، الذي دام عرضه نحو 3 ساعات، كل من صالحة نصراوي ومحمد شعبان وريم عياد وسهام عقيل وحمادي البجاوي.
وحسب ما جاء في ورقة تقديمية لهذه المسرحية فإن هذا العمل يصور نهاية فاجعة أوريبيدس حيث تغادر « ميديا »، قاتلة ابنيها، الأرض نحو السّماء على عربة الشّمس تجرّها الأفاعي المجنّحات فرارا من عدالة البشر.
ومن خلال هذا العمل المسرحي الفاضل الجعايبي، //تهاجر أسطورة « ميديا » و »جازون » جغرافيّا وتاريخيّا من بلاد الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد إلى أرض العرب الآن وهنا… حيث التّوحّش قد بلغ أقصاه//.
ويطرح الجعايبي عبر هذه المسرحية عديد التساؤلات ويفترض وقائع أخرى مغايرة لما جاءت به الأسطورة تاريخيا، منها : ماذا لو امتنعت « ميديا » عن الفرار ومَثُلت أمام مؤسّسات العدالة الصّارمة، أمام المدافعين والمدافعات عن هذه المرأة الجانية وأمام علماء النّفس وتيّاراتهم وتناقضاتهم، وأمام الشّعوب « العظيمة » بأفكارها وأحكامها الجّاهزة المطمئنّة؟ فمن سيحاكم « ميديا » عن كلّ جرائمها؟ ومن له شرعيّة الحكم بالحياة أو الموت أمام ما يحدث حولنا وأمامنا من مجازر وحشيّة يوميّة يقترفها الإنسان رغم تبجّحه بالإنسانيّة؟
وفي محاولة للتفكير والبحث وتعميق النقاش بخصوص القضايا الراهنة، يتساءل الجعايبي عن مدى قدرة « ميديا