تسعى تونس للحفاظ على ريادتها في السوق العالمية لزيت الزيتون وسط تراجع كبير في محاصيل الدول المنافسة على غرار اسبانيا وايطاليا واليونان ولموجهة مختلف الطوارئ الطبيعية أطلقت وزارة الفلاجة حملة غير مسبوقة لمكافحة الآفات الضارة بالزياتين.
أعلنت المصالح المختصة بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري أن الحملة الوطنية لمكافحة الآفات الضارة بالزياتين قد انطلقت منذ أواخر شهر ماي 2024 لتشمل المداواة ضد الحشرات الضارة بالزيتون، وتخصّ خلال هذه الفترة “ذبابة الزيتون” وذلك على إثر رصد ارتفاع كثافة الحشرة ما يعبر عنه ببلوغ العتبة الاقتصادية للتدخل وتوفر الظروف المناخية الملائمة لتكاثرها.
وقد تم الشروع بالمداواة الأرضية والجوية ضد الذبابة بولاية مدنين وامتّدت على 20 يوما وشملت حوالي 557500 أصل زيتون، ثمّ بولاية صفاقس على حوالي 3750 أصل، ثمّ ولاية قابس لتشمل 170250 أصل.
وقد انتهت عملية المداواة بهذه الولايات، وما تزال العمليّة متواصلة بنسق حثيث بولايتي المنستير والمهدية ليتم تباعا منذ بداية شهر جويلية 2024، الإعلان عن مداواة 226 ألف أصلا و205 ألف أصلا.
وللتّذكير فان هذه الحشرة متواجدة بجميع بلدان البحر الأبيض المتوسّط وهي محل متابعة ورصد من قبل المصالح المختصة بوزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصيد البحري.
في مواجهة الاحتباس الحراري الذي يؤثر على المحاصيل ويؤدي لارتفاع الأسعار، يضاعف منتجو زيت الزيتون جهودهم لتطوير حلول لمقاومة تبعات تغير المناخ. وقال المدير التنفيذي للمجلس الدولي للزيتون خايمي ليلو بمناسبة المؤتمر العالمي الأول لزيت الزيتون الذي عُقد هذا الأسبوع في مدريد بمشاركة 300 جهة مختلفة، إن “تغير المناخ أصبح حقيقة واقعة، وعلينا أن نتكيف معه”.
ويواجه منذ عامين انخفاضاً في الإنتاج على نطاق غير مسبوق، على خلفية موجات الحر والجفاف الشديد في الدول المنتجة الرئيسية، مثل إسبانيا واليونان وإيطاليا.
وبحسب المجلس الوطني للزيتون، انخفض الإنتاج العالمي من 3.42ملايين طن في 2021-2022 إلى 2.57 مليون طن في 2022-2023، وهو انخفاض بنحو الربع.
وبالنظر إلى البيانات التي أرسلتها الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عددها 37 دولة، فمن المتوقع أن يشهد الإنتاج تراجعاً جديداً في 2023-2024 إلى 2.41 مليون طن.
وأدى هذا الوضع إلى ارتفاع كبير في الأسعار، بنسبة تراوحت بين 50% إلى 70%، حسب الأصناف المعنية خلال العام الماضي، وفي إسبانيا، التي توفر نصف زيت الزيتون في العالم، تضاعفت الأسعار ثلاث مرات منذ بداية عام 2021، ما أثار استياء المستهلكين.
سيناريوهات معقدة
وأكد رئيس المنظمة المهنية لزيت الزيتون في إسبانيا بيدرو باراتو أن “التوتر في الأسواق وارتفاع الأسعار يشكلان اختباراً دقيقاً للغاية لقطاعنا”، وأوضح “لم نشهد هذا الوضع من قبل”. وقال “يجب أن نستعد لسيناريوهات متزايدة التعقيد تسمح لنا بمواجهة أزمة المناخ”، مشبّهاً الوضع الذي يعيشه مزارعو الزيتون بـ”الاضطرابات” التي شهدها القطاع المصرفي خلال الأزمة المالية 2008.
ففي الوقت الراهن، أكثر من 90% من إنتاج زيت الزيتون في العالم يأتي من حوض البحر الأبيض المتوسط، ومع ذلك، وفق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن هذه المنطقة التي توصف بأنها “نقطة ساخنة” لتغير المناخ، تشهد احتراراً بنسبة 20% أسرع من المعدل العالمي.
ويمكن لهذا الوضع أن يؤثر على الإنتاج العالمي على المدى الطويل، ويقول الباحث في معهد الزيتون اليوناني يورغوس كوبوريس “نحن أمام وضع دقيق”، يدفع باتجاه “تغيير طريقة تعاملنا مع الأشجار والتربة”.
ويوضح خايمي ليلو أن “شجرة الزيتون واحدة من النباتات التي تتكيف بشكل أفضل مع المناخ الجاف، لكنّها في حالات الجفاف الشديد، تنشّط آليات لحماية نفسها وتتوقف عن الإنتاج، وللحصول على الزيتون، ثمة حاجة إلى حد أدنى من الماء”.
تنقيط ومزارع جديدة
ومن بين الحلول التي طُرحت خلال المؤتمر في مدريد، البحث الجيني: فمنذ سنوات يجرى اختبار مئات الأصناف من أشجار الزيتون من أجل تحديد الأنواع الأكثر تكيّفاً مع تغير المناخ، استناداً بشكل خاص إلى تاريخ إزهارها.
ويكمن الهدف من ذلك في تحديد “أصناف تحتاج لساعات أقل من البرد في الشتاء وتكون أكثر مقاومة للضغط الناجم عن نقص المياه في أوقات رئيسية معينة” من العام، مثل الربيع، على ما يوضح خوان أنطونيو بولو، المسؤول عن المسائل التكنولوجية في المجلس الدولي للزيتون.
المجال الرئيسي الآخر الذي يعمل عليه العلماء يتعلق بالري، إذ يرغب القطاع في تطويره من خلال تخزين مياه الأمطار، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي أو تحلية مياه البحر، مع تحسين “كفاءتها”.
ويعني ذلك التخلي عن “الري السطحي” وتعميم “أنظمة التنقيط”، التي تنقل المياه “مباشرة إلى جذور الأشجار” وتتيح تجنب الهدر، بحسب كوستاس خارتزولاكيس، من معهد الزيتون اليوناني.
وللتكيف مع الوضع المناخي الجديد، يُنظر أيضاً في مقاربة ثالثة أكثر جذرية تتمثل في التخلي عن الإنتاج في مناطق يمكن أن تصبح غير مناسبة لأنها صحراوية جداً، وتطويره في مناطق أخرى.
هذه الظاهرة “بدأت بالفعل”، ولو على نطاق محدود، مع ظهور “مزارع جديدة” في مناطق كانت حتى الآن غريبة عن زراعة أشجار الزيتون، وفق خايمي ليلو، الذي يقول إنه “متفائل” بالمستقبل، رغم التحديات التي يواجهها القطاع.
ويعد ليلو بأنه “بفضل التعاون الدولي، سنتمكن شيئاً فشيئاً من إيجاد الحلول.