أصدر قاضي التحقيق الأوّل بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب المتعهّد بالبحث في قضيتي ‘تكوين وفاق إرهابي’ و’التآمر على أمن الدولة’، بطاقات جلب دولية في حقّ 12 شخصا، من المظنون فيهم والمحالين بحالة فرار، والذين ثبت تواجدهم خارج التراب التونسي، وبينهم مسؤولون سابقون رفيعو المستوى، وفق ما أفادت به الناطقة الرسمية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والمساعدة الأولى لوكيل الجمهورية لديه، حنان قداس، في تصريح اليوم الثلاثاء 12 سبتمبر 2023.
والأشخاص المشمولين بالقرار، هم يوسف الشاهد، رئيس حكومة سابق ، ونادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسي سابقا، ومعاذ الخريجي وكمال القيزاني ومصطفى خذر وماهر زيد ولطفي زيتون، وزير سابق وقيادي بالنهضة، وعبد القادر فرحات وعادل الدعداع و شهرزاد عكاشة وعلي الحليوي ورفيق يحي.
وللإشارة فإنّ الأبحاث في هذه القضايا لا تزال جارية بخصوص بقيّة المظنون فيهم والمحالين بحالة فرار ليتسنى إصدار بطاقات جلب دولية في حقّهم.
ولكن ماذا تعني بطاقة جلب دولية وما هي حظوظ تنفيذها
هي إجراء قانوني يتخذه قاضي التحقيق طبق الفصل (81) من مجلة الإجراءات الجزائية التونسية، عندما يتم استدعاء المتهم أو الشاهد في القضية ويتخلف عمداً عن الحضور إلى المحكمة، غير أن تنفيذها يتوقف على قوانين الدولة التي يوجد فيها.
ففي جانفي 2022 طلبت السلطات التونسية من فرنسا تنفيذ بطاقة الجلب الدولية الصادرة في حق رئيس الجمهورية السابق والمعارض السياسي المنصف المرزوقي وذلك بايقافه وتسليمه إلى تونس لمحاكمته في قضية يتهم فيها بالتآمر على أمن الدولة الخارجي.
ورفضت فرنسا، وفق مصدرنا، تنفيذ بطاقة الجلب الصادرة من القضاء التونسي في حق المنصف المرزوقي بسبب حمله للجنسية الفرنسية.
وفي 4 نوفمبر2021، أصدر قاض في المحكمة الابتدائية بتونس بطاقة جلب دولية بحق رئيس الجمهورية السابق محمد المنصف المرزوقي.
وقضت المحكمة الابتدائية بتونس يوم 22 ديسمبر 2021 بسجن المرزوقي المقيم في فرنسا أربع سنوات بتهمة “المس بأمن الدولة في الخارج” وبإلحاق “ضرر دبلوماسي” بها.
وقبل ذلك أعلنت السلطات القضائية الفرنسية رفضها ترحيل بلحسن الطرابلسي، صهر الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، إلى تونس، معتبرة أن هناك “خطرا فعليا لمعاملة غير إنسانية ومهينة في حق بلحسن الطرابلسي، وأوجه قصور في الرقابة في حالة سوء المعاملة أثناء الاحتجاز”.
ورأت محكمة الاستئناف في آكس أن بروفانس، جنوب فرنسا، أن هناك “خطرا فعليا لمعاملة غير إنسانية ومهينة في حق بلحسن الطرابلسي، وأوجه قصور في الرقابة في حالة سوء المعاملة أثناء الاحتجاز”.
وتطالب تونس بتسليم الطرابلسي على خلفية خمس تهم، بُتّ فيها أو لا تزال قائمة، وصلت فيها الأحكام الغيابية في حقه حتى الآن إلى السجن 33 عاما لمخالفات اقتصادية ومالية.
لكن محكمة الاستئناف اعتبرت أن توضيحات السلطات التونسية غير كافية بخصوص ملابسات وفاة ثلاثة أشقاء لبلحسن الطرابلسي في السجن بين 2011 و2020.
وقال الطرابلسي إثر مغادرته جلسة الاستماع: “أنا سعيد جدا وأفكر كثيرا في أشقائي الثلاثة”.
كما صرح محاميه مارسيل سيكالدي: “كتب وزير العدل التونسي أنه منذ الثورة، صارت تونس دولة قانون. ذكّر ردّ محكمة الاستئناف في آكس أن بروفانس بأن الطريق لا يزال طويلا لتصير دولة قانون”.
وخلال ثورة 2011 التي أطاحت بزين العابدين بن علي، هرب بلحسن الطرابلسي إلى كندا التي غادرها عام 2016 إثر رفض أوتاوا طلبه للحصول على اللجوء السياسي.
وتم توقيفه في فرنسا في مارس 2019 حيث اتهم بـ”غسل الأموال في عصابة منظمة، واستخدام وثائق إدارية مزورة”، ولا يزال تحت المراقبة القضائية على خلفية هذه التهم.
وفي قرارها، أخذت محكمة الاستئناف في الاعتبار فترة الأحكام الصادرة بحق بلحسن الطرابلسي وسنه (58 عاما) ووضعه الصحي.
ويوم 22 ماي 2023 جاء في تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش انه “بموجب “المرسوم رقم 11” الصادر في 12 فيفري 2022، حلّ رئيس الجمهوريّة التونسية “المجلس الأعلى للقضاء”، وهو هيئة منتخبة ومنصوص عليها في دستور 2014 ومهمتها المفترضة هي ضمان استقلالية القضاة، وعوّضه بمجلس مؤقت يعيّن هو بشكل مباشر ما يقرب من نصف أعضائه، قبل أن يعفي 57 قاضيا يوم 1 جوان 2022 مانحا لنفسه حق عزل القضاة في “المرسوم رقم 35”. وهكذا، سُحِقت استقلاليّة القضاء، التي ضَمَنها المجلس المستقلّ، والتي كافح من أجلها أجيال من النشطاء والحقوقيين، من قبل السلطة التنفيذيّة التي سمحت لنفسها بإقالة القضاة ووكلاء الجمهوريّة بشكل أحادي، منتهكة بذلك الحق في المحاكمة العادلة أمام محكمة مستقلّة ومحايدة.
في أاوت 2022، أصدر رئيس “المحكمة الإدارية” بتونس العاصمة قرارا بوقف تنفيذ قرار إعفاء 49 من57 قاضيا وإعادتهم إلى مناصبهم، على أساس أن فصلهم لم يستند إلى أي دليل ملموس على ارتكابهم أخطاء جسيمة بعد النظر في شكاوى رفعها القضاة المعفيون . لكن إلى اليوم ترفض الحكومة تنفيذ هذا القرار. وبالتالي تضاعفت وتيرة تقويض استقلالية القضاء من خلال الاعتداء الصارخ على دولة القانون، المتمثل في رفض تطبيق قرارات قضائيّة. بل أسوأ من ذلك، شرعت وزارة العدل بعد ذلك في ملاحقات جنائيّة ضد جميع القضاء المعفيين من مناصبهم، بما في ذلك أمام “القطب القضائي لمكافحة الإرهاب”، في محاولة لتبرير فصلهم بأثر رجعي.”
و يتطلب وضع المطلوبين على قائمة الجلب الدولية لدى الشرطة الدولية الأنتربول على القائمة الحمراء، ليصبح المطلوب وفق قوانين ونظم عمل الانتربول، مطلوباً من قبل قوى الشرطة الدولية، ما يعني وبموجب هذه البطاقة أنه محل “البحث ومطاردة وتحديد مكان إقامة وطلب إيقاف بموجب صدور بطاقة جلب وإيقاف من قبل السلطات القضائية في البلد المعني”.
وعملياً فإن أجهزة الشرطة في كل الدول الأعضاء مطالبة بالاستجابة الفورية لهذه البطاقة، والعمل على تنفيذ ما جاء بها وترحيل المطلوبين إلى بلدانهم، وهو ما يعني أن كل مدرج على هذه القائمة لا يمكنه، نظرياً، المغامرة بالسفر أو الظهور في الأماكن العامة، أو المشاركة في أنشطة علنية تحت طائلة القبض عليه، وترحيله فوراً، ولكن ذلك يتوقف على موقف السلطات في كل دولة على حدة، بما أن الشرطة الدولية لا يمكنها القبض على المطلوبين لديها بشكل مباشر.
ولكن الشرطة الدولية لا تُصدر حسب قوانينها الداخلية هذه البطاقات بشكل آلي أو اعتباطي أو إداري، ذلك أن الاستجابة لهذا الطلب حسب الشرطة الدولية: “يعني تقديم البلد المطالب بإصدار النشرة الحمراء، المعطيات الخاصة والدقيقة المتعلقة بالقضية المنظورة في البلد الراغب في استعادة أحد المطلوبين، والالتزام التام بميثاق عمل المنظمة وخاصة المادة الثالثة منه التي تمنع منعاً باتاً على أعضائها طلب إصدار البطاقات الدولية للمطالبة بالقبض أو بجلب أشخاص بسبب أنشطتهم أو آرائهم، ما يمنع المنظمة من التدخل في القضايا ذات الطابع السياسي أو العسكري أو الديني أو العرقي”.