قال عدد من المحامين أن عميد المحامين بصدد توظيف المحاماة لحساب السلطة الحالية .. وجاء في البيان الصادر اليوم “نحن المحامين الموقّعين أسفله، الذين تتعدّد مشاربهم السياسية والأيديولوجية ويجمعهم الانتماء لرسالة المحاماة والعاقدين العزم على التمسّك بقيمها ومبادئها،وبعد إصدار رئيس الجمهورية للمرسوم عدد 30 لسنة 2022 المؤرخ في 19/05/2022 المتعلّق بما سُميّ “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”، في إطار مواصلته لتنفيذ مشروعه الفرداني والتسلّطي لإقرار دستور جديد بعيدًا عن أي مقومات التعاقد الاجتماعي والتشاركية، وبعد اختطافه لسلطات الدولة والسيطرة على مفاصلها منذ 25 جويلية 2021،وبعد الاطّلاع على تعيين عميد المحامين الأستاذ إبراهيم بودربالة بصفته على رأس إحدى “لجان الجمهورية الجديدة” (اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية)، ومعاينة تصريحاته الإعلامية لاحقًا لتبرير انخراطه في هذا المسار غير الدستوري ورئاسته لهذه اللجنة بشكل أثار موجة سخط بل وسخرية أمام الرأي العام الوطني،وبعد التأكيد أن المحاماة التونسية وبنصّ الفصل 105 من الدستور هي “مهنة حرة مستقلة تشارك في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات”، وتذكيرًا بماضي نضال المحاماة، هياكل ومحامين، في مواجهة أنظمة الاستبداد وانتهاك الحقوق والحريات، وانخراطها في النضال الحقوقي والديمقراطي، ومواجهة إغراءات الولاء للسلطة باعتبار أن المحاماة غير قابلة للخضوع والمساومة على حساب قيمها وثوابتها ومصالح شعبها،يهمّنا التأكيد على ما يلي:
1- نعبّر عن رفضنا القطعي لتوريط عميد المحامين الأستاذ إبراهيم بودربالة للمحاماة التونسية في المشروع التسلّطي لرئيس الدولة، ونعتبر أن تمييز عميد المحامين بتعيينه رئيسًا لإحدى “لجان الجمهورية الجديدة” دون عن بقية رؤساء المنظمات الوطنية، ليس، للأسف، إلا مكافأة ومقابلًا مهينًا على انخراط العميد في التبرير لكل خيارات وانتهاكات رئيس الدولة طيلة الأشهر الماضية، بشكل يكاد يتجاوز حتى أشدّ الداعمين لمسار 25 جويلية.
2- نعتبر أن عميد المحامين بصدد توظيف المحاماة لحساب السلطة الحالية وهي بصدد إعداد مشهد إخراجي مبتذل لحوار شكلي ضمن تنفيذ مخطّطها لاستهداف المكتسبات الديمقراطية، وهو ما يمثّل مخالفة حتى لبيان مجلس الهيئة بتاريخ 12/05/2022 الذي أكد عدم قبوله “لأي حوار شكلي وبمخرجات مسبقة” والرّافض لتهميش القوى السياسية والمنظمات الوطنية. وعليه نؤكد أن توظيف العميد للمحاماة في هذه المسرحية يضرب في مقتل استقلالية المهنية كما يتعارض مع قيمها وثوابتها وتاريخها كقوّة مضادّة لأنظمة التسّلط وانتهاك الحقوق والحريات.
3- نلاحظ أن اتخاذ قرارات مصيرية تهمّ الوطن ودور المحاماة خاصة في السياق السياسي الدقيق حاليًا لا يمكن أن تظل موقوفة على اجتهاد شخص العميد، باعتبار أن مثل هذه القرارات من اختصاصات الجلسة العامة للخارقة للعادة التي تنظر في “المسائل المتأكدة وذات الأهمية الوطنية” بحسب الفصل 54 من مرسوم المهنة. وعليه كان على العميد إما الدعوة للجلسة العامة الخارقة للعادة أو المسارعة لتنظيم الجلسة العامة الانتخابية، وذلك بدل قيام العميد ومجلس الهيئة الحالي، قبل بضع أسابيع من نهاية العهدة، بتوريط المحاماة في هكذا قرار مصيري سيحفظه التاريخ جيدًا، مع شوائب تمريره في أجواء انقسام داخل هياكل المهنة وصفوف المحامين.
4- ندعو العميد الأستاذ إبراهيم بودربالة، لما سبق ذكره، إلى حفظ ماء وجه المحاماة التونسية، أمام شعبها وأمام التاريخ، وذلك بالاعتذار عن رئاسة اللجنة المذكورة والكفّ عن مزيد توريط المحاماة في مسار غير دستوري بات اليوم يهدّد الدولة ومصير شعبها وليس فقط المكتسبات الديمقراطية. ونلاحظ للأسف أن أداء مؤسسة العمادة بعد زجّ نفسها في الدفاع المستميت عن السلطة الحالية، مقابل موقفها السلبي في الدفاع عن المكتسبات الديمقراطية وأيضًا عن الزملاء المحامين وبينهم العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني ممّن تم تتبّعهم نكاية على مواقفهم السياسية، هو موقف أساء لصورة المحاماة وتاريخها أمام الرأي العام الحقوقي الدولي والمحلي، وهو ما يجب تداركه.
5- نشدّد على أنه من حق المحامين نقد أداء هياكل المحاماة في الفضاء العام وذلك حينما تتصدى هذه الهياكل للشأن العام، وأن ذلك لا يمسّ من واجب الاحترام ومبدأ التضامن، داعين العميد إبراهيم بودربالة للكفّ عن اتهام المحامين الرافضين لخياراته بأنهم متحزّبون أو موالون لأحزاب سياسية معيّنة، داعين لاحترام حرية تعبير المحامين عن مواقفهم علنية بعيدًا عن الهرسلة والتشويه.
6- نلاحظ للعميد أنه لم يبق على نهاية عهدته على رأس الهيئة الوطنية للمحامين إلا زهاء شهرين فقط، وهو ما يتطلّب منه العمل على رصّ الصفوف بين المحامين وتهيئة أجواء مثالية لعقد الجلسة العامة الانتخابية، وذلك بدل العمل على مزيد شقّ الصفوف داخل الهياكل والمحامين، والترفيع في منسوب التوتّر والسخط، بما يمسّ من وحدة المحاماة ويضعفها. هذا ونهيب بالعميد الدعوة للجلسة العامة الانتخابية في أقرب وقت ممكن تأكيدًا لاحترامه لمرسوم المهنة وقيمها وتقاليدها، وقطعًا للطريق على أي شكوك خاصة في سياق سياسي يشهد استهدافًا للمنظمات الوطنية والقطاعية من داخل أسوارها.
7- ندعو الزملاء المحامين، وبمختلف توجهاتهم السياسية والأيديولوجية، لليقظة والتصدّي لأي توريط للمحاماة التونسية في أي مشروع تسلّطي وفرداني، وهي التي كانت صدّا منيعًا في مواجهة الاستبداد والفساد على مدى عقود. هذا ونؤكد أن الالتزام بمبادئ المحاماة واستقلاليتها، عن أي جهة كانت، هو حجز الزاوية لحسن أداء رسالة المحاماة، مذكّرين إياهم أن قدر المحاماة تاريخيًا أن تبقى قوّة معارضة لأي مشروع استفراد بالسلطة، وذلك كما كانت وكما يجب أن تظلّ دائمًا.