إن تناوب الطائرات الروسية في جزيرة جربة هو علامة من بين أمور أخرى على استراتيجية “الدخول” متعددة الأوجه التي تتبعها موسكو على الأراضي التونسية هذا ما ذهبت اليه صحيفة لوموند الفرنسية في عددها الصادر اليوم .
هل أصبح مطار جربة، الملاذ السياحي في جنوب شرق تونس، مسرحاً مؤخراً لتحركات جوية روسية غير عادية؟ أثار هذا السؤال قدراً من الإثارة بين مراقبي التوازنات الاستراتيجية الإقليمية بعد نشر مقال في صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية يوم الأحد 19 ماي يفيد بأن طائرات “عسكرية روسية” هبطت “في الأيام الأخيرة على هذه الجزيرة الواقعة على بعد 130”. كيلومترا من الحدود الليبية.
وتضيف لومند ” بينما التزمت السلطات في تونس الصمت بشأن الموضوع، نفت موسكو ذلك الاثنين في بيان صحفي من سفارتها في ليبيا -وليس تلك في تونس- واصفة المعلومات الواردة من صحيفة لا ريبوبليكا بأنها “أكاذيب” و”تزوير”. .
مصادر لوموند تحدثت أيضا عن وجود نشاط بحري روسي في تونس وتحديدا سفينة الشحن Mekhanik Makarin التي تخضع لنظام عقوبات أمريكي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وقد شوهدت في ميناء سوسة في نهاية مارس الماضي قادمة من بنغازي حسب المواقع المتخصصة في متابعة نشاط السفن هذه الاخيرة أكدت انها الان في طريقها الى صفاقس حيث ينتظر ان تصل يوم 8 جوان القادم .
تقول الصحيفة كانت تونس مرتبطة تقليديًّا بالمعسكر الغربي، حيث يرتبط جيشها ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة، ومن المؤكّد أن التطوّر المُحتمل المؤيد لروسيا في البلاد سيشكل تحولًا، على الرغم من أنه في هذه المرحلة يظل اقتراحًا نظريًّا للغاية.
كما أن الانجراف للرئيس قيس سعيد، الذي ينتقد بانتظام “إملاءات” الغرب، لا يخلق “انفتاحا” و”نفاذية” أقل للخطاب الرائج في موسكو، على حد تعبير مراقب أوروبي في تونس.
يشير مصدر دبلوماسي غربي إلى أنه “كانت هناك عمليات دوران للطائرات الروسية في جربة، لكننا لا نعرف طبيعتها”. وبحسب معلومات غير مؤكدة متداولة في أوساط المحللين الأمنيين في تونس، فإن هذه “طائرات شحن” و”طائرات مستأجرة” مدنية، وبالتالي فهي ليست بأي حال من الأحوال الطائرات العسكرية التي ذكرتها صحيفة “لا ريبوبليكا”.
كان من المفترض أن تنقل بعض هذه الطائرات، وفقًا لهذه المصادر نفسها، روسا تابعين لشركة فاغنر الأمنية السابقة الذين جاؤوا للاستجمام في جزيرة جربة.
الطائرات الأخرى كانت ستتوقف هناك لأغراض التزود بالوقود. وقد تم رصد هذه التناوبات للطائرات الروسية في الجزيرة التونسية منذ حوالي سنة.
في المقابل، يلاحظ العديد من المحللين أن الأمر ليس مستغربًا خاصة في ظل الانتشار الجديد للنفوذ الروسي في منطقة الساحل وليبيا، حتى لو كان البعد العسكري المباشر لا يزال غائبا.
تشهد هذه المعلومات، على الرغم من أنها مجزأة وغير دقيقة، بشأن التحركات الجوية في جربة، على دخول موسكو بشكل سري إلى تونس. وهي مرتبطة بتحركات بحرية. العلاقة بين تونس وروسيا تتعزّز، حتى لو كان من السابق لأوانه الحديث عن تحول استراتيجي. وبعد تأجيلها مرتين، على الأرجح تحت ضغط أمريكي، تمّت زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى تونس أخيرًا يومي 20 و21 ديسمبر 2023 في سياق ازدهار متزايد للتبادلات التجارية.
ارتفعت واردات الحبوب الروسية بالفعل في سنة 2023 بزيادة قدرها 435 بالمئة مقارنة بعام 2022 لتبلغ قيمتها الإجمالية نحو 1.1 مليار دينار (326 مليون يورو)، بحسب المعهد الوطني للإحصاء.
على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، فقد ضاعفت تونس وارداتها من “الفحم والنفط ومشتقاته” ثلاث مرات، مقارنة بسنة 2022. ومنذ غزو أوكرانيا في فيفري 2022، استوردت تونس كميات من النفط الروسي تجاوزت ما كانت عليه في السنوات التسع السابقة. وسُجّل المزيد من التعاون السياسي، خاصة في المسائل الانتخابية بعد توقيع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي المسؤولة عن تنظيم الانتخابات في تونس، مذكرة تعاون مع اللجنة الانتخابية الروسية في 15 مارس.
تشجّع القوة الناعمة الروسية هذا التقارب وفي هذه المرحلة، لا يزال الوجود الروسي في تونس متواضعًا، على الرغم من أنه غير مقيد. بخصوص هذا يقول دبلوماسي غربي “الأرض الخصبة مواتية” بحيث يخدم استياء الرأي العام التونسي من “المعايير المزدوجة” للأوروبيين والأمريكيين. مع ذلك، فإن تغيير النموذج الاستراتيجي ليس بالأمر السهل، بعد حصول تونس على صفة “الحليف الرئيسي من خارج الناتو” من قبل الولايات المتحدة في سنة 2015. ناهيك عن كونها عضوا في “صيغة رامشتاين” التي تشكلت بمبادرة من حلف شمال الأطلسي لدعم أوكرانيا.