سقطت حكومة مارك روته، رئيس الوزراء الأطول عهدا في تاريخ هولندا، إثر خلافات حول الهجرة. فهل يعود اليمين المتطرف بزعامة السياسي المناهض للإسلام غيرت فيلدرز إلى الواجهة من جديد؟
انهار الائتلاف الحكومي في هولندا بزعامة رئيس الوزراء مارك روته، الجمعة السابع من جويلية بعد عام ونصف العام فقط في الحكم، إثر خلافات على الإجراءات اللازمة للحد من تدفق المهاجرين، وفق وسائل إعلام.
وأعلن روته أنه سيقدّم استقالة حكومته بعد بلوغ الخلافات بشأن الهجرة بين أركان الائتلاف الحاكم حدا لا يمكن تجاوزه. وقال روته في مؤتمر صحافي “هذا المساء توصلنا للأسف الى خلاصة بأنه لا يمكن تجاوز هذه الخلافات. لهذا السبب، سأقدم قريبا استقالة مكتوبة الى الملك باسم الحكومة مجتمعة”.
وأشرف روته، وهو رئيس الوزراء الأطول عهداً في تاريخ هولندا، على مباحثات لحل الأزمة بين الشركاء الأربعة في الائتلاف، أخفقت في التوصل الى اتفاق، بحسب ما أفادت قناتا “أن أو أس” و”آر تي أل” ووكالة “ايه أن بي” المحلية.
ولم يصدر أي إعلان رسمي بهذا الشأن عن روته أو أعضاء الائتلاف الحاكم. وقال مراسل لوكالة فرانس برس إن رئيس الوزراء وممثلي الائتلاف لم يغادروا بعد مقر اجتماعهم للتحدث إلى الصحافيين الذين ينتظرون خارجه.
وتمكّن روته من البقاء في السلطة طوال 12 عاماً رغم الفضائح. وشكّل ائتلافه الرابع فيجانفي 2022 بعد 271 يوماً من المفاوضات.
وأراد روته (56 عاماً)، وهو زعيم “حزب الشعب من أجل الحرية والديموقراطية” اليميني الليبرالي، أن يفرض قيوداً على لم شمل عائلات طالبي اللجوء، في أعقاب فضيحة العام الماضي بشأن اكتظاظ مراكز الهجرة في هولندا.
وطالب روته بتحديد سقف لأقارب المهاجرين من دول النزاع الذين يمكن لهولندا استقبالهم عند 200 شخص شهرياً، وهدد بتعطيل الحكومة في حال رفض ذلك، وفق الإعلام المحلي. إلا أن الحزب الديموقراطي المسيحي المنضوي في الائتلاف الحاكم، عارض هذه الخطة بشدة.
وأجرت الأحزاب الأربعة للائتلاف مباحثات أزمة الأربعاء وحتى وقت متأخر الخميس في محاولة لإنقاذ الحكومة المتعثرة التي مرّ على توليها السلطة 18 شهراً. لكن التسوية التي اصطلح على تسميتها “زر الطوارئ” وتقضي باعتماد القيود الجديدة فقط في حال وصول أعداد كبيرة من المهاجرين، لم تكن كافية لإنجاح مباحثات اللحظة الأخيرة الجمعة.
ورجحت وسائل الإعلام المحلية أن روته سعى إلى اتخاذ موقف متصلّب بشأن قضايا الهجرة لامتصاص ضغوط يتعرض لها من قبل الجناح الأكثر يمينية في حزبه.
وغالباً ما وجد رئيس الوزراء نفسه تحت ضغوط متزايدة في مسألة الهجرة نظراً لقوة الأحزاب اليمينية المتطرفة في هولندا، بما يشمل السياسي المناهض للإسلام غيرت فيلدرز.
ويتوقع أن يدعو روته، وهو الثاني في أوروبا من حيث طول عهده في رئاسة الوزراء بين الرؤساء الحاليين، بعد المجري فيكتور أوربان، إلى انتخابات مبكرة يأمل من خلالها الحصول على تأييد لتشكيل خامس حكومة ائتلافية له منذ العام 2010، إلا أنه قد يواجه منافسة داخلية على خلفية تزايد ضيق صدر الناخبين حيال طول المدة التي أمضاها في الحكم، حتى في ظل غياب المنافسين الجديين له.
ونجح روته بحنكته السياسية في خطّ مساره إلى قمة الهرم في السلطة التنفيذية الهولندية عبر أربعة ائتلافات متتالية، إلا أنه واجه سلسلة من المشكلات التي كادت أن تطيح بحكمه. وأرغمت حكومته السابقة على الاستقالة عام 2021 على خلفية فضيحة معونات حكومية كانت تستهدف بشكل أساسي أطفال العائلات المنتمية إلى أقليات عرقية. وتعرّض في 2017 إلى انتقادات واسعة لجنوحه نحو اليمين قبل الانتخابات في مسعى لمنع فوز فيلدرز في فترة شهدت صعود الأحزاب الشعبوية بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة والاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2016.
وكان روته زار تونس يوم 11 جوان الماضي أين أعلن بأنّ مجلس أوروبا سيجتمع خلال الأسابيع القادمة، “من أجل استثمار فرصة هامّة لتمتين التعاون مع تونس”، في إشارة إلى إمكانية المصادقة على حزمة شاملة للدعم المالي، بقيمة جملية تجاوزت مليار أورو.
وقال المسؤول الهولندي في تصريح إعلامي عقب اللقاء الذي جمعه ضمن وفد أوروبي، برئيس الجمهورية، قيس سعيّد، إنّ الأمر موكول لمجلس أوروبا (موفّى جوان الجاري)، لتجسيم ما تمّ التوصل له من اتفاق حول حزمة شراكة شاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي.
وذكر أنّ الطرفين الأوروبي والتونسي، اتفقا على أجندا موسّعة لمناقشة عديد المسائل الكفيلة بتنفيذ المخطط الذي تم إعداده ويتعلّق بالاقتصاد على الصعيدين الثنائي ومتعدّد الأطراف، مؤكّدا أنّ هولندا ستبذل كلّ ما بوسعها في سبيل مساعدة تونس في مجالات تهم مجالات الفلاحة والتصرّف في المياه والطاقة والسياحة.
وكشف الوزير الأوّل الهولندي الذي أدّى هذه الزيارة عمل إلى تونس ضمن وفد يضم رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين ورئيسة مجلس الوزراء الإيطالي، جورجيا ميلوني، عن أن النقاشات التي جمعتهم بالسلطات التونسية تطرقت إلى عدة مسائل، من بينها الهجرة.
وأضاف أنّ الطرفين الأوروبي والتونسي، توصّلا إلى اتفاق وصفه بـ “الجيّد” سيقع تنفيذه في الأسابيع القادمة، معتبرا أنّ الجانبين يعملان معا على رأب الفجوة في المجال الأمني، في مواجهة الاتجار بالبشر.
يُشار إلى أنّ رئيسة الحكومة، نجلاء بودن رمضان، تولّت ظهر اليوم الأحد بالجناح الرئاسي بمطار تونس قرطاج، توديع أعضاء الوفد الأوروبي بعد أن كانت استقبلتهم في الصباح، قبل اللقاء مع رئيس الدولة والذي حضره بالخصوص عدد من أعضاء الحكومة.