في غضون عقد من الزمن ، تمكن الملياردير اليهودي الأمريكي جورج سوروس ، من بعث ما لا يقل عن 54 جمعية في تونس . إنه بصراحة مجتمع مدني مواز تم إنشاؤه في البلاد ، في منافسة مع المنظمات غير الحكومية المحلية التي تنشط في وضح النهار وبتمويلات متواضعة مقارنة بجمعيات سوروس .
ولد جورج سوروس في العاصمة الهنغارية عام 1930 لعائلة يهودية فقيرة. عند الولادة، حصل على اسم ديورد شفارتس، ولكن في عام 1936 قرر رب العائلة تغيير لقبه، ليصبح شوروش. في وقت لاحق، بعد أن وصل جورج سوروس إلى أمريكا، تخلص من حرف الشين في لقبه القصير.
في عام 1947، هاجرت العائلة بأكملها إلى بريطانيا، حيث التحق جورج بمدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية. في البداية، أجبرت قلة المال، هذا الفتى على قبول أي عمل: عمل كعامل في مصنع، وكحارس ومنقذ في مسبح، وكبواب في محطة قطار.
بدأت الحياة الجديدة لملياردير المستقبل عندما انتقل إلى نيويورك عام 1956. كان لديه 500 دولار في جيبه. وفي وول ستريت، تمكن سوروس من زيادة رأس ماله إلى 100 مليون دولار خلال 30 عاما. وتم ذلك بفضل طريقة تداول الأوراق المالية التي ابتدعها.
بريطانيا، التي آوت سوروس في سنوات ما بعد الحرب، لعنته في 16 سبتمبر 1992. هذا اليوم بات يعرف في تاريخ إنجلترا الحديثة، باسم “الأربعاء الأسود”. في ذلك اليوم قرر سوروس اللعب على هبوط الجنيه الإسترليني، مما أدى إلى انخفاض العملة البريطانية إلى أدنى مستوياتها التاريخية. بفضل هذا، ربح سوروس حوالي مليار دولار خلال يوم واحد.
في 1997-1998، نفذ سوروس خطة مشابهة في جنوب شرق آسيا: ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة والفلبين. في كل مرة أدى انهيار العملة الوطنية إلى أزمة اقتصادية خطيرة في إحدى هذه الدول.
32 مليار دولار لأشنطة مشبوهة
بحلول نهاية التسعينيات، قرر سوروس ترك المجال المالي وأعلن نفسه بشكل غير متوقع، كفاعل خير. منذ تلك اللحظة، شارك الملياردير بنشاط في تمويل التعليم والعلوم والثقافة. ويقال إنه خلال كل هذا الوقت أنفق حوالي 32 مليار دولار على هذه النشاطات.
أسس سوروس أول صندوق خيري تحت اسم “المجتمع المفتوح”، في نيويورك عام 1979. ظهر أول فرع أوروبي بعد 5 سنوات في هنغاريا. هناك، شارك الممول في دعم المعارضين المحليين من خلال تزويدهم بآلات الطباعة.
تنتشر اليوم فروع مؤسسة سوروس في جميع أنحاء العالم. وتنفق المنظمة سنويا حوالي 400 مليون دولار، كما تقول، لدعم مشاريع في مجالات التعليم والصحة والعلوم وتنمية المجتمع المدني والديمقراطية، فضلا عن حماية حقوق الإنسان.
الثورة الأولى بمشاركة غير مباشرة من سوروس، حدثت في عام 2000 في يوغوسلافيا. وبفضل أموال مؤسسته، تم إنشاء حزب المعارضة أوتبور، الذي شن حملة ضد الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش.
“الإنجاز” التالي لسوروس، كان التحضير لـ “ثورة الورود” وإدارتها في جورجيا. ثم تم تسجيل نشاط صندوق الملياردير في قرغيزستان خلال “ثورة التوليب”، ثم خلال “الثورة البرتقالية” و “الميدان الأوروبي” في أوكرانيا.
و وأمتدت أذرع سوروس الى تونس بعد سقوط نظام بن علي عام 2011 ويوم 9 مارس 2015 التقى في قصر قرطاج الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي ليعلن سوروس يومها أن مؤسسته “المجتمع المفتوح “ستساهم في في انجاز عدد من البرامج من بينها صيانة دور الثقافة بتونس بالتعاون مع وزارة الثقافة واليوم تحاول السلطات وسط معارضة شرسة ” تنظيم عمل الجمعيات ” متزامنة مع صدور قرارات قضائية تقضي بحل العشرات من الجمعيات في محاولة لمحاصرة المال الأجنبي المتدفق لاسيما المشبوه منه.
وأفاد الكاتب العام للجنة التونسية للتحاليل المالية بالبنك المركزي لطفي حشيشة، بأن القضاء التونسي أصدر قرارات بحل 47 جمعية متورطة في تلقي تمويلات أجنبية مشبوهة، فيما عرضت ملفات 36 جمعية أخرى على القضاء بشبهة تمويل الإرهاب والفساد المالي.
وقال حشيشة في تصريحات يوم الثلاثاء إن “قيمة الأموال المجمدة في شبهات غسيل أموال بلغت نصف مليار دينار تونسي (ما يعادل 168.3 مليون دولار أميركي)”، مشيرا إلى أن هناك تمويلات وُجهت لعمليات إرهابية جدت في تونس عامي 2014 و2015.
وأضاف أن هذه الأموال تعود لذوات مادية ومعنوية أجنبية وتونسية، في إشارة إلى هذه الجمعيات، وذلك في وقت تستعد فيه السلطات لإصدار قانون جديد ينظم عمل الجمعيات في مسعاها لمحاصرة المال الأجنبي، خاصة المشبوه منه.
وقال حشيشة إن كل الضربات الإرهابية التي شهدتها تونس في سنتي 2014 و2015، يقف وراءها تمويل، مضيفا أن الاستراتيجية البديلة أثبتت أن مقاومة الجماعات الإرهابية على غرار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تمت عبر قطع التمويل عنها. وتابع أن تمويل الإرهاب لا يتم فقط عبر جمعيات، بل عن طريق أفراد أيضا أو شركات.
ولفت المسؤول التونسي إلى أنه غالبا ما يتم حصر شبهات الإرهاب في عدم إفصاح هذه الجمعيات عن أموالها، أو الكشف عن أصول أموال أو تمويلات من حسابات بالخارج، أو تحويل الأموال من الدول المانحة نحو دول أوروبية أخرى ثم إدخالها إلى تونس.
وينص الفصل 100 من القانون الأساسي للجمعيات في تونس على أنه “لا بد للجمعيات أن تقدم كافة المعلومات والتصاريح حول التمويلات الأجنبية الواردة عليها للبنك المركزي، الذي يحيلها بدوره إلى رئاسة الحكومة”، غير أن بعض الجمعيات لا تلتزم بهذا القانون.
ويوم الجمعة الماضي 11 مارس الجاري ندّدت 13 منظمة غير حكومية تونسية ودولية، اليوم الجمعة، بمشروع قانون يعدّه الرئيس قيس سعيّد حول إنشاء الجمعيات وتمويلها، إذ رأت أنّه يمثّل “تهديداً” و”تقييداً” للمجتمع المدني في بلدٍ مثّل منطلقاً لما سُمّي بـ”الربيع العربي”.
وأفادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان وقّعته تلك المنظمات بأنّ مشروع قانون “سُرِّب أخيراً لتنظيم منظمات المجتمع المدني” في تونس من شأنه أن “يمنح السلطات صلاحيات واسعة وسلطة تقديرية للتدخّل في طريقة تكوين منظمات المجتمع المدني، ووظائفها، وأعمالها، وتمويلها، وقدرتها على التحدث علناً عن عملها والتعبير عن آرائ