شبه عدد غير قليل من الساسة والاعلاميين ما حدث يوم 7 أكتوبر في الداخل الاسرائيلي ب11 سيتمبر جديد
ولئن كنا لا نعرف نتيجة ما ستؤول اليه الأوضاع في غزة الا أننا نعرف ما انتهت اليه الأمور في أفغانستان التي كانت هدفا للانتقام الأمريكي من تلك العملية الارهابية التي اودت بحياة الالاف من الأمريكيين .
يقول الصحفي الأمريكي البارز بوب وودورد في كتابه “بوش في حالة حرب” (Bush at War) الذي تضمن الحوارات التي كان يجريها الرئيس جورج بوش الابن مع فريق الأمن القومي في إدارته.
اذ ينقل وودورد في كتابه عن بوش قوله في أحد حواراته تلك “كان عليَّ بصفتي قائدا أعلى للقوات المسلحة أن أُظهر للشعب الأميركي العزم والصرامة اللازمين لفعل كل ما يتطلبه الأمر لتحقيق الفوز.. لا استسلام.. لا مواربة”.
ويعيد ريتشارد كلارك المسؤول عن دائرة الإرهاب في ادارتي بوش الابن وكلينتون في كتابه “ضد كل الأعداء” إلى الذاكرة ما حدث في مساء 11 سبتمبر 2001، عندما صرخ بوش في وجه مسؤول لأنه أبلغه بأن القانون الدولي يدين استخدام القوة العسكرية كأداة للانتقام، فكان أن رد عليه بحسم قائلا “لا يهمني ما يقوله المحامون الدوليون، نحن عازمون على تنفيذ ما نريده”.
لقد كانت رسالة الرئيس تلك واضحة لا لبس فيها، “فالقانون يشكل عقبة أمام مكافحة الإرهاب بشكل فعال، وما يدعو للقلق أن التفاصيل الإجرائية الدقيقة أضحت بالية في عالم 11 سبتمبر، وهي عائق مزعج إزاء تنفيذ المهام الأساسية التي نصبو إلى تحقيقها”.
وبعد أقل من شهر وتحديدا يوم 7 أكتوبر 2001، غزت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، أفغانستان، بحجة إيواء حركة طالبان التي حكمت البلاد بين عامي 1996-2001، لأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، والمسؤول عن تخطيط وتنفيذ هجمات 11 سبتمبر 2001.
لتستمر الحرب 20 عاما بالتمام والكمال وبعد شهر من عودة اخر جندي أمريكي الى بلاده ، أقر رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي بأن الولايات المتحدة “خسرت” الحرب التي استمرت 20 عاما في ذلك البلد. وقال الجنرال ميلي خلال جلسة استماع في مجلس النواب “من الواضح والظاهر لنا جميعا أن الحرب في أفغانستان لم تنته بالشروط التي أردناها، مع وجود طالبان في السلطة في كابول”.
عاد قادة الجماعة الإسلامية المسلحة إلى العاصمة الأفغانية، لالتقاط صور سيلفي في القصر الرئاسي، والدولة بأكملها تقريبا في قبضتهم.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن ما آلت إليه الأمور لم يكن نتيجة هزيمة عسكرية كارثية للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، بل اتفاقية سلام جرى التفاوض عليها بعناية .
ووفق الأرقام الرسمية التي نشرتها الحكومة الأمريكية في وقت سابق، وما صرح به مسؤولون في البنتاغون، فقد بلغت تكلفة الحرب بين عامي 2010 و2012 ما يقارب 100 مليار دولار سنوياً. ثم انخفضت بعد ذلك قليلاً سنة 2018 لتبلغ نحو 45 مليار دولار، على إثر قرار إبعاد الجيش الأمريكي قليلاً عن العمليات الهجومية، وتكليفه بتدريب القوات الأفغانية.
وبمناقشة قرار الانسحاب من أفغانستان، صرحت وزارة الدفاع الأمريكية أن تكلفة الحرب منذ أكتوبر 2001 إلى سبتمبر 2019 قد قدرت تكلفتها بنحو 778 مليار دولار، فيما أنفقت وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية نحو 44 مليار دولار لمشاريع إعادة الإعمار، ليبلغ بذلك إجمالي التكلفة 822 مليار دولار.
وكشف بعد ذلك المشروع البحثي المشترك بين جامعتي براون وبوسطن الأمريكيتين “تكلفة الحرب” أن الولايات المتحدة قد أنفقت بحلول عام 2020، نحو 978 مليار دولار، بما في ذلك التكلفة المالية التي أنفقت في باكستان، التي استخدمتها الولايات المتحدة قاعدة عسكرية للعمليات المتعلقة بالحرب في أفغانستان.
ولتغطية تكاليف الحرب الباهظة، اقترضت الولايات المتحدة الأمريكية مبالغ مالية ضخمة قدرت بنحو ترليوني دولار، يرجح أن تصل قيمة فائدتها عام 2050 إلى نحو 6.5 ترليونات دولار، لترهق كاهل الأجيال القادمة بتركة باهظة لحرب طويلة رغم انتهائها تستمر أعباؤها.
آلاف القتلى والجرحى
تسبب الصراع بين حركة طالبان والقوات الأمريكية والأفغانية منذ عام 2001، في سقوط آلاف القتلى والجرحى من الجانبين.
وأشارت في هذا السياق الجهات الرسمية الأمريكية إلى مصرع نحو 2448 جندياً أمريكياً بحلول أفريل ن 2021، إضافة إلى مقتل 3846 من المتعاقدين الأمريكيين. فيما قدر عدد الإصابات بنحو 20660 جندياً أمريكياً في أثناء القتال.
إلا أن هذه الأرقام وإن كانت تبدو ضخمة، فإنها ضئيلة مقارنة بالأفغان الذين سقطوا إثر الحرب، سواء كانوا من مقاتلي طالبان أو المحاربين في صفوف الحكومة الأفغانية إلى جانب القوات الأمريكية، دون أن نغفل عدد الصحفيين وناشطي الإغاثة الذين قتلوا كذلك في أثناء النزاع المسلح بين الجانبين.
حيث أكد تقرير جامعة براون أن نحو 641 ألف شخص من قوات الجيش والشرطة الأفغانية قد قتلوا في أثناء المعارك منذ عام 2001، فيما كشفت البعثة الأممية لمساعدة أفغانستان أنه قتل نحو 111 ألف مدني، وذلك منذ أن بدأت البعثة في تسجيل الأرقام بشكل رسمي عام 2009، في ما يشير إلى أن الخسائر البشرية تتجاوز ذلك بكثير.
وبينما تختلف اليوم الدوائر الحكومية الأمريكية على تقدير التكلفة الحقيقية للحرب المنهكة والمستنزِفة، فإنها تتفق على أنها خلفت فاتورة باهظة، ستكلف الولايات المتحدة الكثير لسدادها وتعويضها في السنوات القادمة.
لقد كانت نهاية عبثية لحرب انتقامية؟ سبقتها عمليات شحن كما نراها اليوم على تخومات مدينة غزة وشاركت فيها نفس القوى وأستخدمت خلالها نفس المفردات التي نسمعها اليوم . فهل التاريخ يعيد نفسه .