تونس – أخبار تونس
عبر مقال له تحت عنوان “الاتحاد المغربي أو كيف نخرج المريض من غرفة الإنعاش؟”، قال الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي إنه “ثمة قناعة راسخة بأن قضية الاتحاد المغاربي كان سينطلق مسارها في الاتجاه الصحيح لولا قضية الصحراء، التي تصر السلطات الجزائرية منذ عقود على أنها قضية استعمار المغرب لأرض ليست أرضه”.
وأورد المرزوقي في المقال ذاته، الذي صدر ضمن عدد هذا الشهر من دورية DiplomacyNow التي تصدر عن “المركز الدولي لمبادرات الحوار”، أن “السلطات الجزائرية جعلت من قضية الصحراء ملحمة الشعب الجزائري في دفاعه عن استقلاله، لكن مع اختلافات جذرية ومغالطات مفضوحة تجعل من هذه السردية مجرد قناع لتغطية أسباب أعمق لا تريد هذه السلطات الإفصاح عنها”.
في الصدد ذاته، تساءل الكاتب عينه بالقول: “هل كان على المغاربة الاعتراف بحق تقرير المصير لشعب طنجة وشعب الريف، وقد كانا تحت الوصاية الدولية والاستعمار الإسباني؟ وهل المغاربة والصحراويون من عرق ودين مختلفين؟ ثم كيف يمكن الحديث عن استعمار والمغرب لم يجني من الصحراء أي ثروة، بل استثمر فيها إمكانيات رهيبة لتطويرها؟”.
يعود
المرزوقي ليجيب بأن “سردية النظام الجزائري التي لا تستند إلى أي منطق جغرافي أو تاريخي أو إنساني ترسخت في عقول أجيال من القادة، وهم كمن يكذب كذبة ثم ينتهي بتصديقها، بل جعلها في مصاف المقدسات التي يحرم الخوض فيها”، وتابع بأن “هذه السردية عادت بالوبال بالأساس على أجيال من الصحراويين العالقين في مخيمات تندوف، وعلى الجزائريين والمغاربة من خلال امتصاص أموال بلادهم لتكديس الأسلحة؛ بل وعادت بالوبال على كل المغاربيين غير المنخرطين في الصراع من تونسيين وليبيين وموريتانيين، وهي تغلق في وجوههم فضاء كبيرا للعمل والتنقل والاستثمار”.
ويعود الرئيس التونسي الأسبق ليتساءل من جديد: “إلى أين ستؤول الأمور إن واصلنا التعلق بهذه السردية والتصرف على أساسها؟”، مردفا: “الجواب بديهي للأسف الشديد، إنه تواصل شقاء أجيال من الصحراويين في منفاهم بتندوف، وتوقف كل اندماج بين شعوب المنطقة، وتزايد إفقارها بمزيد من نفقات التسلح، وأخيرا الكارثة التي نخشاها جميعا، وهي الحرب”.
ويسرد كاتب المقال ذاته تفاصيل زيارته إلى العواصم المغاربة الأربع سنة 2012، مباشرة بعد انتخابه رئيسا للجمهورية التونسية، على “أمل إخراج الاتحاد المغاربي من غرفة الإنعاش”، مضيفا: “كانت فكرتي التي طرحتها على كل القادة تتلخص في وضع النزاع الجزائري المغربي بين ظفرين ولو بشكل مؤقت، وعدم جعله الشرط الأول والأخير لحل الأزمة بين البلدين، واعتماد ما أسميتها الحريات الخمس، أي اعتراف كل دولة مغاربية لمواطني الدولة الأخرى بالحق في التنقل، في التملك، في العمل، في الملكية وفي المشاركة في الانتخابات البلدية”.
وتابع صاحب المقال: “اقترحت ما سميتها الدوائر الثلاث التي ستعتق الصحراويين من البقاء عالقين على هامش الجغرافيا والتاريخ، أي إعطاءهم الحكم الذاتي (الدائرة الأولى)، في إطار الدولة المغربية (الدائرة الثانية)، وتمكينهم من الحريات الخمس نفسها ليدرسوا في تونس ويتملكوا في الجزائر ويعملوا في ليببا (الدائرة الثالثة)، قبل أن تبقى كل هذه المقترحات مجرد أمان لم يتحقق منها أي شيء”.
“ما الذي يمكن استنتاجه والأمور تتزايد تعقيدا بخروج تونس من دورها الحيادي التقليدي والتوفيقي بين الشقيقين واصطفافها مع النظام الجزائري، الذي أصبح يتبجح بأنه لن يسمح بالمس بحليفه الجديد الذي يشاركه الفهم نفسه في ممارسة السلطة؟”، يضيف المرزوقي، مبرزا أنه “يجب الكف عن طرح قضية الاتحاد قبل قضية الديمقراطية، فيوم نبني أنظمة ديمقراطية حقيقية سترحل كل السرديات الزائفة بطبيعتها وستحقق الحريات الخمس، وسيعيش الصحراويون أحرارا داخل الدوائر الثلاث”.
وخلص الرئيس التونسي الأسبق إلى أنه “لحسن الحظ ثمة أسباب تبعث على الأمل، كفرح الجزائريين بانتصار المغاربة في كأس العالم، وعناق الرياضيين الجزائريين والمغاربة بعد نهاية كل مباراة”، وهو ما اعتبره “رأس مال لكل السياسيين الأذكياء المنخرطين في عصرهم للاستثمار في أوطاننا وترك بصماتهم على التاريخ، أي محبة الشعوب المغاربية لبعضها البعض ورفضها المتزايد لكل للأنظمة التي تدعي أنها الحل وهي أكبر مشكل”.