الرئيسيةالأولىنسبة النمو في تونس : بين واقعية الخبير والتفاؤل المفرط للسياسي

نسبة النمو في تونس : بين واقعية الخبير والتفاؤل المفرط للسياسي

بخصوص خطاب كمال المدوري رئيس الحكومة يوم الجمعة 8 نوفمبر 2024 بمجلس نواب الشعب كتب الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي تدوينة مطولة حول الأرقام والتوقعات التي رسمها المدوري

يقول الشكندالي

1-. الشعارات التي رفعها رئيس الحكومة ليست بالجديدة، حيث نجدها في كل التقارير الخاصة بالميزان الاقتصادي منذ عديد السنوات (العدالة الاجتماعية، الإدماج الاجتماعي) وهو ما يعطي الصبغة الإدارية لخطاب رئيس الحكومة.

2. لكن مفهوم “الدولة الاجتماعية” والتي ميّزها رئيس الحكومة على دولة “الحد الأدنى الاجتماعي” هو تحديد لدور الدولة في المرحلة القادمة والتي تستدعي إجراءات قوية لا تستهدف فقط الفئة الاجتماعية محدودة الدخل فقط بل كذلك الفئات الاجتماعية الأخرى وخاصة الطبقة المتوسطة والتي تعتبر مفخرة الدول التي تتميّز بالعدالة الاجتماعية. لكننا، عكس ذلك، نجد في مشروع قانون المالية للسنة القادمة ما يحد من حجم هذه الطبقة في الاقتصاد والمتكوّنة أساسا من الكفاءات الوطنية من أطباء ومهندسين وجامعيين وغيرهم، إذ يتضمن هذا المشروع تغييرات في جدول الضريبة على الدخل بما يعاقب هذه الفئة من المجتمع.

3. الجديد كذلك في هذا الخطاب هو التركيز على الشركات الأهلية كفاعل رئيسي لخلق الثروة وللتوزيع العادل لها، استجابة لرغبة رئيس الجمهورية والذي يرى في هذا النوع من الشركات الفاعل الاقتصادي الأهم الذي وجب الاعتماد عليه في السنوات القادمة. لكن هذا الفاعل الاقتصادي لا يزال في خطواته الأولى أو في سنته الأولى ولا يمكن له أن يعوّض الفاعل الرئيسي لخلق الثروة المنتجة وهو القطاع الخاص بل يمكن له في أقصى الحالات أن يكون مكمّلا له. وبالتالي لا يمكن بناء الاستراتيجيات الاقتصادية كلها عليه، إذ لا ندري الى الآن إن كانت هذه التجربة الجديدة على التقاليد الاقتصادية لتونس ستنجح أم سيكون مآلها الفشل. ففتح خط تمويل ب20 مليون دينار وإضافة 10 مليون دينار أخرى لهذه الشركات مقابل تخصيص 21 مليار دينار كاملة للاقتراض الداخلي للدولة قد تحرم القطاع الخاص من السيولة النقدية اللازمة لتمويل الاستثمار الخاص وقد لا تسهم في بلوغ النمو الاقتصادي المبرمج للسنة القادمة.

4. لخّص رئيس الحكومة إنجازات حكومته للسنة الحالية في خمس نقاط وهي 1) تحقيق نسبة نمو اقتصادي ب 1.6%، 2) التحكّم في التوازنات المالية الداخلية (العجز التجاري) والخارجية (عجز ميزانية الدولة ونسبة الدين العمومي)، 3) تحقيق احتياطي مريح من العملة الصعبة، 4) الإيفاء بالتزامات الدولة الخارجية و 5) تواصل المنحى التنازلي للتضخم المالي.

وبالتالي فإن رئيس الحكومة الحالي يواصل في نفس الخطاب الموجّه للمؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي والذي يعتبر أن هذه الإنجازات مهمة للغاية وهي التي تمهّد الطريق الى مفاوضات مريحة معه قصد الحصول على تمويل منه. فكان من الأجدر أن يوجّه رئيس الحكومة خطابه للتونسيين عبر التركيز على المؤشرات التي تمسّهم مباشرة ومن بينها تدهور المقدرة الشرائية، والتي لم يتحدّث عنها بالمرّة، تراجع القدرة التشغيلية للاقتصاد وحتى نسبة النمو الاقتصادي والتي يعتبرها رئيس الحكومة إنجازا، فهي أولا نسبة قدّرها صندوق النقد الدولي وليست بتقديرات وزارة الاقتصاد والتخطيط أي لا تعتمد على تقديرات الكفاءات التونسية بالرغم من أن في خطاب رئيس الحكومة شعار الاعتماد على الكفاءات التونسية، ثانيا، هي نسبة صعبة التحقيق خاصة وأننا لم نحقق الى الآن إلا 0.2% في الثلاثي الأول و1% في الثلاثي الثاني إذ تحقيق هذه النسبة يتطلب تحقيق على الأقل 2.5% خلال الثلاثيات المتبقية من هذا العام.

5. توقعات رئيس الحكومة لسنة 2025 تبدو صعبة للغاية في ظل إجراءات جبائية عقابية في مشروع قانون المالية للسنة القادمة، فحتى صندوق النقد الدولي لم يتجرأ على ذكر مثل هذه النسبة، فتقديراته لنسبة النمو الاقتصادي لسنة 2025 لا تتجاوز 1.6%. فتحقيق نسبة نمو ب 3.2% عبر الترفيع في نسبة الاستثمار الى 16% من الناتج الداخلي الخام يتطلّب توفير المناخ الملائم لذلك ولن يتحقق عبر ميزانية للدولة تقشفية في أغلب أبوابها

وعبر قانون مالية جبائي بامتياز يغلب عليه التفكير المحاسبي أكثر من التفكير الاقتصادي.

6. لكن لا بد من الإشادة ببعض التوجهات الجيّدة والتي إن كتب لها أن تتحقق على أرض الواقع ستكون لها تداعيات اقتصادية جيّدة، كمراجعة المنظومة التشريعية ضمن نص قانوني شامل بما في ذلك مجلة الصرف وإرساء المنظومة الوطنية للاستثمار وتطوير البوابة الرسمية للوكالة العقارية الصناعية وإحداث بوابة النفاذ الى التمويل، وإرساء خارطة استثمارية لكل إقليم من الأقاليم الخمس و تطوير البنية التحتية الرقمية وإعادة هيكلة ديوان الأرضي الدولية وتنقيح مجلة المياه ومجلة الغابات وخاصة اقتناء تجهيزات جديدة لإنتاج ونقل الفسفاط.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

error: Content is protected !!