قالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لمراسلتها فيفيان يي، ان اعتقال الغنوشي يعد أكبر قطعة لحم يمكن لسعيد رميها باتجاه
قاعدته مشيرة الى ان التحركات الاخيرة لرئيس الجمهورية قيس سعيد لا تحل مشاكله على الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية” كما
أكدت ان وزير الداخلية الذي وصفته بالمتشدد يقود عملية قوية ومنسقة ضد النهضة وجبهة الخلاص .
الصحفية التي اعدت تقريرا مطولا قالت إن اعتقال زعيم حركة النهضة، ورئيس البرلمان المنحل، راشد الغنوشي، يشكل تصعيدا
من الرئيس التونسي قيس سعيد ضد معارضيه.
وأشارت إلى أن اعتقال الزعيم البارز وثلاثة من مسؤولي حزبه، هو تصعيد في الحملة التي بدأها سعيد ضد معارضيه، وبدأت بعد استيلائه على السلطة قبل عامين. وقالت الصحيفة إن النهضة التي شاركت في السلطة خلال الفترة القصيرة من التجربة الديمقراطية، وانتُقدت لبعض الأخطاء التي ارتكبتها وهي في السلطة، ما أدى إلى تراجع شعبيتها، جعلها هدفا لحملة سعيد، حيث أصبح الغنوشي أبرز زعيم معارض يعتقله الرئيس التونسي حتى الآن.
وقالت النهضة إن حوالي 100 من رجال الأمن بالزي المدني داهموا بيت الغنوشي في العاصمة تونس، ونقلوه مع أعضاء في الحزب إلى ثكنات عسكرية، ثم قامت السلطات بمداهمة مقرات حركة النهضة، واعتقلت عضوين بارزين فيها، وفتشوا بيت ابنة الغنوشي بحسب المحققين التونسيين.
وطالبت الحركة في صفحتها على فيسبوك، بالإفراج الفوري عن الغنوشي، وشجبت ما رأته تطورا خطيرا، ودعت أيضا الليبراليين للوقوف ضد الممارسات القمعية. وكانت تونس البلد العربي الوحيد الذي خرج من رماد الربيع العربي بدون حرب ونزاعات، وأنشأ ديمقراطية بعد رحيل زين العابدين بن علي، حتى انتخاب سعيد الذي جاء من خارج السياسة عام 2019، وقام في جويلية 2021 بالسيطرة على السلطة.
وأضافت الصحيفة أن الرئيس التونسي الذي يواجه ضغوطا كبيرة منذ منتصف فيفري بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، وتراجعا في شعبيته، قام بزيادة حملات القمع ضد المعارضة، واعتقل عددا من الصحافيين والناشطين والقضاة وغيرهم، فيما يراه المحللون محاولة لحرف النظر عن أخطائه، والبحث عن كبش فداء يحمّله مشاكل تونس ووضعها المتدهور.
وعيّن سعيد قبل فترة وزير داخلية متشددا، وهو الذي أمر بقمع حركة النهضة يوم الإثنين. وتعلق الصحيفة أن الخطوة الأخيرة هي عملية قوية ومنسقة ضد النهضة وشريكتها في المعارضة جبهة الخلاص الوطني.
وكان الغنوشي وحركة النهضة من أكبر خصوم سعيد، منذ أن دعم التونسيون عملية استيلاء الرئيس على السلطة، نظرا لأن الحركة كانت لاعبا مهما في الحكومة، مع أنها لم تكن تسيطر عليها، بعد أن أطاح التونسيون بنظام زين العابدين بن علي عام 2011.
وعلقت مونيكا ماركس من جامعة نيويورك فرع أبو ظبي، أن التحرك الأخير “ليس الشريحة الحمراء الكبرى التي طالب بها مؤيدو سعيد الأوائل وعناصر في الاتحاد العام التونسي للشغل، لكنها لا تحل مشاكله على الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية”.
وتعرّض الغنوشي للتحقيق من أجهزة أمن سعيد عدة مرات خلال الأعوام الماضية، لكن هذه هي المرة الأولى التي يُعتقل فيها بدون إنذار. وجاء اعتقال الغنوشي بعد مشاركته في لقاء يوم السبت، قال فيه إن تهميش أي طرف من المعارضة التونسية في السياسة، بما فيها النهضة يهدد بإشعال حرب أهلية. وردت السلطات على كلامه واعتقلته بتهمة التحريض، قائلة إنها تملك الصلاحية لعمل ذلك بناء على قانون مكافحة الإرهاب.
قالت النهضة إن سلطات الأمن خرقت عددا من حقوق الغنوشي الأساسية، حيث منعت محاميه من حضور عملية التفتيش لبيته أو مقرات الحركة، وأوضحت أن الغنوشي رفض التحدث مع المحققين بدون حضور محاميه. مشيرة إلى أن المحققين أبقوا على زعيم الحركة جالسا طوال الليل في غرفة التحقيق، ومنعوه من استخدام الحمام إلا إذا أبقى على الباب مفتوحا.
ويعتبر حزب النهضة من أكثر الأحزاب الإسلامية اعتدالا، مع أن سنوات من شيطنة بن علي للحزب أخافت التونسيين. وتم تحميل الحزب مسؤولية العقم والفساد وعدم الازدهار، وذلك لأنه كان الكتلة الكبرى في البرلمان، وشارك في الحكومات المتعاقبة. ووصلت المشاكل الاقتصادية التي تتراكم منذ عقد، ذروتها في العام الماضي الذي شهد حالة من الجفاف، وزيادة في معدلات التضخم وغياب المواد الأساسية مثل زيت الطعام والقهوة والسكر، وتدافع التونسيون للهجرة إلى أوروبا.
إلا أن سعيد لم يهتم سوى بإعادة تشكيل النظام السياسي، وليس اقتصاد البلد. ومرّر دستورا جديدا للبلاد، وجعل كل السلطات في يده، وحيّد البرلمان. وهو ما جعل الكثير من التونسيين يتخلون عنه، لكن الخوف من عودة المعارضة هو ما أبقاه في السلطة.
وعلقت تشارلي باركر في صحيفة “واشنطن بوست”على اعتقال الغنوشي بالقول إن اعتقال الشخصية البارزة والمثيرة للاستقطاب في نفس الوقت، والحاضر في السياسة التونسية منذ نصف قرن، هو خطوة كبرى وسط حملات اعتقال استهدفت في الأشهر الأخيرة معارضي الرئيس.
وانتقد الغنوشي استيلاء سعيد على السلطة ووصف تحركه بالانقلاب. وأشارت الصحيفة إلى أن خطوات سعيد في 25 جويلية 2021 التي شملت عزل رئيس الوزراء، وتعليق عمل البرلمان كانت مقدمة لهجوم أوسع على المؤسسات الديمقراطية التي ظهرت منذ عام 2011. ومنذ ذلك الوقت، قام سعيد بالسيطرة على القضاء، وراكم السلطات في يده من خلال دستور جديد، وزاد من حملات القمع ضد معارضيه، وسجن ناشطين وسياسيين من كل الطيف السياسي.
وقالت حركة النهضة إن وثيقة سُربت على منصات التواصل الاجتماعي، تظهر أن السلطات أصدرت أمرا بمنع اللقاءات في مقرات النهضة بأنحاء البلاد، ومقرات العاصمة التابعة لجبهة الخلاص الوطني .
ونفى المتحدث باسم السفارة التونسية في واشنطن، أن تكون السلطات قد منعت الأحزاب السياسية وليس لديها نية لحظرها.
وعلقت ماركس من جامعة نيويورك على الاعتقالات بأنها “تكثيف آخر للقمع في ديكتاتورية تونس الجديدة”. وشجب فرع الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، اعتقال الغنوشي وإغلاق مقرات النهضة، ودعا إلى الالتزام بالإجراءات وحماية التعددية السياسية.
وقالت الصحيفة إن النهضة تعتبر شوكة في جنب الديكتاتوريين السابقين في تونس، وغير الإسلاميين، وكانت هدفا لقمع سعيد.
ففي ديسمبر، تم اعتقال الرجل الثاني في الحركة، علي العريض، وتوجيه تهم إرهاب له، في وقت رفضتها منظمات حقوق الإنسان واعتبرتها مدفوعة سياسيا.
وقضى عدد من قادة الحركة بمن فيهم الغنوشي سنوات في السجن في ظل الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، اللذين حكما تونس لخمسة عقود.
وتقول ماركس، المحللة في شؤون تونس، إن اعتقال الغنوشي هو أكبر قطعة لحم يمكن لسعيد رميها باتجاه قاعدته. ومع استمرار القمع، لم تظهر ردود فعل من العواصم الغربية التي عبّرت عن استعداد للتعامل مع الرئيس التونسي بشأن الهجرة ومكافحة الإرهاب، ومنع الصين وروسيا من التسلل إلى تونس.