يقول مسؤولون إن الإمارات تقدم، من قاعدة جوية نائية في تشاد، الأسلحة والعلاج الطبي للمقاتلين على أحد جانبي الحرب المتصاعدة في السودان. تدير دولة الإمارات تحت ستار إنقاذ اللاجئين، عملية سرية متقنة لدعم أحد الأطراف في الحرب المتصاعدة في السودان، حيث تقوم بتزويده بأسلحة قوية وطائرات بدون طيار، وعلاج المقاتلين المصابين، ونقل الحالات الأكثر خطورة جواً إلى أحد مستشفياتها العسكرية، وفقاً لما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية وعشرات المسؤولين الحاليين والسابقين من الولايات المتحدة وأوروبا والعديد من الدول الأفريقية. وتتمركز العملية في مطار ومستشفى في بلدة نائية عبر الحدود السودانية في تشاد، حيث تهبط طائرات الشحن الإماراتية بشكل شبه يومي منذ جوان ، بحسب صور الأقمار الصناعية والمسؤولين الذين تحدثوا على أساس عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المعلومات الاستخبارية الحساسة. وهذا هو أحدث مثال على كيفية استخدام الإمارات، حليفة الولايات المتحدة في الخليج العربي، لثرواتها الهائلة وأسلحتها المتطورة لوضع نفسها كلاعب رئيسي وصانع ملوك في بعض الأحيان في جميع أنحاء أفريقيا.
في السودان، تشير الأدلة إلى أنها تدعم قوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية قوية مرتبطة بمجموعة المرتزقة الروسية فاغنر والمتهمة بارتكاب فظائع وتقاتل القوات المسلحة النظامية في البلاد في حرب أهلية خلفت خمسة الاف قتيل مدني وشردت أكثر من أربعة ملايين شخص منذ أفريل. ومع ذلك، يصر الإماراتيون على أن عمليتهم على الحدود مع السودان هي عملية إنسانية بحتة. منذ أن بدأت الطائرات في الوصول إلى مدينة أمدجراس التشادية، نشرت وكالة الأنباء الإماراتية صوراً للمستشفى الميداني اللامع، حيث تقول إنه تم علاج أكثر من 6000 مريض فيه منذ جويلية . وتظهر مقاطع الفيديو مسؤولين إماراتيين وهم يقومون بإسقاط حزم المساعدات خارج أكواخ القش في القرى المجاورة، والتبرع بالماعز وتجديد المدارس وحتى أنهم نظموا سباق الهجن. ويقول الإماراتيون إن دافعهم هو مساعدة اللاجئين السودانيين، الذين فر العديد منهم من العنف العرقي الوحشي في منطقة دارفور، ولكن منذ انزلاق السودان إلى الحرب، لم يتم تسجيل سوى 250 لاجئاً في أمدجراس، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. تقع حالة الطوارئ للاجئين في الواقع على بعد بضع مئات من الأميال إلى الجنوب، وهي رحلة تستغرق يومين عبر الطرق الصحراوية والترابية، حيث يكتظ 420 ألف سوداني وصلوا مؤخرًا في مخيمات مترامية الأطراف وسط ظروف يائسة. وفي الواقع، تستخدم الإمارات مهمة المساعدات الخاصة بها لإخفاء دعمها العسكري لقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان، المعروف باسم حميدتي، والذي كان في السابق قائد ميليشيا من دارفور معروف بقسوته وبعلاقاته طويلة الأمد مع الإمارات. وقال مسؤول أمريكي كبير سابق: “الإماراتيون يعتبرون حميدتي رجلهم” مضيفا “لقد رأينا ذلك في مكان آخر، إنهم يختارون رجلاً ويدعمونه على كل الأصعدة”. وباعتبارها لاعباً نشطاً بشكل متزايد في القارة الأفريقية، وقعت الإمارات صفقات تجارية بقيمة عشرات المليارات من الدولارات لتطوير مناجم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والحصول على أرصدة الكربون في ليبيريا، والسيطرة على الموانئ في تنزانيا والصومال والسودان. وفي شرق ليبيا، قامت الإمارات بتسليح أمير الحرب خليفة حفتر في انتهاك لحظر الأسلحة الدولي، وفي إثيوبيا، زودت رئيس الوزراء أبي أحمد بطائرات مسلحة بدون طيار في لحظة حاسمة من صراع تيغراي في عام 2021، مما أدى فعليًا إلى قلب دفة الحرب. الإماراتيون في السودان يضغطون رسميًا من أجل السلام، وباعتبارها عضوا في الرباعية، وهو تجمع دبلوماسي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية، تحاول ابوظبي التوسط من أجل إنهاء الصراع عن طريق التفاوض، لكن في الوقت نفسه، تعمل الأسلحة الإماراتية على تأجيج الصراع. وقال مسؤولون أمريكيون وسودانيون إن مقاتلي اللواء حمدان استخدموا في الأسابيع الأخيرة صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، التي زودتهم بها الإمارات، لمهاجمة قاعدة مدرعة محصنة في العاصمة السودانية الخرطوم. ولم ترد وزارة الخارجية الإماراتية على قائمة الأسئلة لكنها نفت في السابق تقديم الدعم لأي من طرفي الحرب في السودان. وقد أثارت العملية السرية في السودان حفيظة المسؤولين الأمريكيين الذين يشعرون بالإحباط بالفعل بسبب علاقات الإمارات المتنامية مع روسيا والصين، ويستضيف حاكمها المتشدد، الشيخ محمد بن زايد، 5000 جندي أمريكي في دولته النفطية الثرية، لكن جهوده في السودان تضع الشيخ محمد في صف الراعي الأجنبي الآخر للجنرال حمدان، مرتزقة فاغنر الروسية. ويوضح تقرير غير منشور أعده محققو الأمم المتحدة، وتم تقديمه إلى مجلس الأمن وحصلت عليه صحيفة التايمز، تفاصيل كيف حصل اللواء حمدان على صواريخ أرض جو من قواعد في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة في أفريل وماي، وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن فاغنر قدمت الصواريخ، وقال مسؤولان سودانيان إن هذه الطائرات استخدمت لإسقاط عدة طائرات مقاتلة سودانية. ولم ترد قوات الدعم السريع على الأسئلة المتعلقة بهذا المقال، لكنها نفت مؤخرًا “أي ارتباط بجماعة فاغنر”. وردا على سؤال بشأن الأنشطة الإماراتية في أمجراس، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي إن الولايات المتحدة أثارت مخاوف “مع جميع الجهات الخارجية التي يشتبه في أنها تقدم الدعم لطرفي الصراع في السودان، بما في ذلك الإمارات”. بالنسبة للمنتقدين السودانيين، يمثل التدخل الإماراتي ازدواجية شنيعة – دولة تتحدث عن السلام بينما تؤجج الحرب، وتدعي أنها تساعد اللاجئين السودانيين بينما تدعم المقاتلين الذين أجبروهم على الفرار في المقام الأول. وقال حسام محجوب، المؤسس المشارك لشركة “سودان بوكرا”، وهي شركة إعلامية سودانية مستقلة: “هذا الأمر يجعلني غاضباً ومحبطاً” مضيفًا “لقد رأينا هذا من قبل في دول مثل ليبيا واليمن: دولة الإمارات تقول إنها تريد السلام والاستقرار، بينما تفعل في الوقت نفسه كل ما في وسعها للعمل ضد ذلك”. وقد بدات العملية في أمجراس بشكل جدي في منتصف جوان، أي بعد حوالي شهرين من بدء الحرب للسيطرة على السودان. وفي ذلك الشهر، التقى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي بالزعيم الإماراتي الشيخ محمد في أحد قصوره في أبو ظبي، وغادر السيد ديبي ومعه قرض بقيمة 1.5 مليار دولار (تبلغ ميزانية تشاد السنوية 1.8 مليار دولار) ووعود بالمركبات العسكرية التي تم تسليمها في أوت. وبعد أيام، بدأت طائرات الشحن الإماراتية بالتدفق إلى أمدجراس، وهي واحة صغيرة يقطنها عدد قليل من السكان ولكن بها مهبط طائرات طويل بشكل غير عادي وقد حددت صحيفة التايمز عشرات الرحلات الجوية إلى أمدجراس منذ ماي. ولد إدريس، والد ديبي، الذي حكم تشاد لمدة ثلاثة عقود، في أمدجراس وكثيرا ما استضاف كبار الشخصيات الأجنبية هناك، وقام ببناء مطار قريب يضم أطول مدرج في البلاد. في 4 جويلية ، بعد أن أعلن أحد متتبعي الرحلات الجوية المعروف باسم جيرجون عن الارتفاع المفاجئ في الرحلات الجوية الإماراتية إلى أمدجراس، أعلنت الإمارات أنها افتتحت مستشفى بسعة 50 سريرًا على حافة المدرج، وتلا ذلك المزيد من البيانات الإخبارية، التي سلطت الضوء على توزيع المساعدات الإماراتية. وجاء في أحد البيانات الصحفية: “إن هذا إنجاز جديد في سجل العطاء المشرق لدولة الإمارات العربية المتحدة”. ولكن كانت هناك أيضا مؤشرات على المعارضة، فقد انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر رجال قبائل محليين يحتجون على القاعدة الإماراتية الجديدة، وأعلن أحدهم أن “هذا ليس مستشفى مدنياً”، مضيفاً أن الإماراتيين كانوا يدعمون قوات الدعم السريع من خلال تزويدهم بالخدمات اللوجستية والأسلحة ثم قام بإحراق العلم الإماراتي. وكانت تلك الاتهامات لها ما يبررها، حيث يقول مسؤولون أفارقة إنه في أحد أجزاء المستشفى، كان المسعفون الإماراتيون يعالجون مقاتلي قوات الدعم السريع المصابين، وتم نقل بعضهم جواً في وقت لاحق إلى أبو ظبي لتلقي العلاج في مستشفى زايد العسكري. في الوقت نفسه، تظهر صور الأقمار الصناعية وبيانات تتبع الرحلات الجوية أن مطار أمدجراس كان يتوسع ليصبح مطارًا صاخبًا على الطراز العسكري يبدو أنه يتجاوز احتياجات المستشفى الصغير حيث تم إنشاء ملجأين مؤقتين للطائرات وحظيرة طائرات وتم توسيع مجمع المستشفى وإنشاء قربة تخزين الوقود. وكانت العديد من طائرات الشحن التي تهبط في أمجراس قد نقلت في السابق أسلحة للإمارات إلى مناطق صراع أخرى، ويشتبه في أن طائرة إليوشن مسجلة لدى شركة فلاي سكاي إيرلاينز، والتي اتهمها محققو الأمم المتحدة بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، قامت بتسليم طائرات بدون طيار إلى إثيوبيا في عام 2021. ووجد تحليل أجرته صحيفة التايمز أن نمط بناء المطارات يشبه قاعدة الطائرات بدون طيار التي بنتها الإمارات في الخادم، شرق ليبيا، في عام 2016. (في الآونة الأخيرة، تمركز مرتزقة فاغنر هناك). ومن أمجاراس، يتم نقل الأسلحة لمسافة 150 ميلاً شرقًا إلى زوروغ، مركز قوات الدعم السريع الرئيسي. قاعدة في إقطاعية الجنرال حمدان في شمال دارفور، وفقًا لمسؤولين سودانيين وتشاديين والأمم المتحدة. وقال أحد شيوخ قبيلة حدودية سودانية إن قوات الدعم السريع اتصلت بمجموعته هذا الصيف لضمان مرور آمن للقوافل البرية من الحدود إلى زوروغ. يستمر المطار في التوسع وقد حصلت صحيفة التايمز على صور الأقمار الصناعية الليلية من أواخر أغسطس والتي كشفت عن أضواء في ساحة الطائرات والممر والمدرج، مما يشير إلى الاستعدادات للعمليات المستقبلية المحمية من التصوير عبر الأقمار الصناعية أثناء النهار. وقال كاميرون هدسون، الموظف السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومحلل شؤون أفريقيا الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “لقد فعلت الإمارات أكثر من أي شخص آخر لدعم قوات الدعم السريع، وإطالة أمد الصراع في السودان”، لكنه أضاف: “انهم يفعلون ذلك بحذر كي لا يتركون اثرا، وهذا مقصود”. بدأت العلاقة الإماراتية مع الجنرال حمدان في الشرق الأوسط وليس في السودان، ففي عام 2018، دفعت الإمارات مبالغ كبيرة لقائد الميليشيا السودانية لإرسال آلاف المقاتلين إلى جنوب اليمن، كجزء من الحملة العسكرية الطاحنة التي تشنها الإمارات ضد المتمردين الحوثيين في الشمال. لقد أثرت تلك الحملة اللواء حمدان وساعدت في جعل قوات الدعم السريع تحظى بشعبية كبيرة، بل وأكثر قوة داخل السودان. ومع قيامه ببناء إمبراطورية تجارية في مجال تعدين الذهب، نقل عائداته إلى دبي، حيث أسس شقيقه الأصغر ألغوني حمدان دقلو شركات لإدارة مصالح العائلة. لماذا اختارت الإمارات مضاعفة جهودها لدغم الجنرال حمدان الآن، على الرغم من الأدلة المتزايدة على الفظائع التي ارتكبت في زمن الحرب، الأمر الذي حير العديد من المسؤولين والمحللين الغربيين. ترى الإمارات، مثل العديد من دول الخليج، السودان كمصدر محتمل للغذاء، وتطمح إلى موقع على ساحل البحر الأحمر. في ديسمبر، وقعت الإمارات صفقة بقيمة ستة مليارات دولار لتطوير ميناء على بعد 125 ميلاً شمال بورتسودان. وتشكل الخصومات في الشرق الأوسط عاملا أيضا حيث يقول دبلوماسيون إن التوترات بين الإمارات ومصر، التي تدعم الجيش السوداني، والسعودية، التي تقود الجهود الدبلوماسية لإنهاء حرب السودان، تتصاعد بشكل مطرد. وبقدر ما يقول المحللون، فإن الشيخ محمد قد يكون ببساطة متمسكًا بحليف مخلص. ويقول عمال الإغاثة إن اللاجئين السودانيين يواصلون التدفق إلى تشاد بمعدل الفي شخص يومياً، ويصل معظمهم إلى أدري، وهي بلدة حدودية فقيرة بعيدة للغاية عن المساعدة من القاعدة الإماراتية التي تبعد حوالي 200 ميل إلى الشمال.
** المصدر – نيويورك تايمز