كانت الجزائر تراهن وراء خطوة استرجاع جماجم تعود لمقاومين، حاربوا خلال فترة الحكم الاستعماري الفرنسي، على “مصالحة تاريخها” وفتح صفحة جديدة مع فرنسا؛ لكن جزءا من حقيقة هذا الموضوع كشفته صحيفة “نيويورك تايمز”، بعدما تبين أن “هذه الجماجم لا تعود لمقاومين جزائريين”.
وقد احتفلت فرنسا والجزائر بهذه البادرة باعتبارها “علامة فارقة في جهودهما لإعادة بناء العلاقات”، خاصة أن الأمر يتعلق بـ24 جمجمة، تقول فرنسا، إنها “احتفظت بها منذ الحرب الجزائرية لنيل الاستقلال، وهي تعود لمقاتلين ومحاربين جزائريين”.
وأشارت “نيويورك تايمز”، في مقالها، إلى أن الحكومة الجزائرية قدمت البقايا البشرية باعتبارها “جزءا من واحدة من أكبر مجموعات الجماجم في أوروبا في متحف البشري في باريس، مؤكدة أنها “تعود لمقاتلين أبطال شاركوا في مطاردة الفرنسيين”.
وعندما وصلت إليزابيث بورن، رئيسة الوزراء الفرنسية، إلى الجزائر العاصمة مطلع الشهر الجاري، في زيارة تستغرق يومين، أعرب نظيرها الجزائري أيمن بن عبد الرحمن عن ارتياحه لهذه البادرة التاريخية التي تعكس جودة العلاقات.
لكن الوثائق، التي حصلت عليها “نيويورك تايمز” مؤخرا من المتحف والحكومة الفرنسية، تُظهر أنه في حين تم تحديد ست من الجماجم التي تم إرجاعها بوضوح على أنها لمقاتلي المقاومة فإن العدد الباقي لم يتأكد أصله.
وفضلت الحكومة الفرنسية الصمت أمام هذه الحقيقة، معتبرة أنها “تستمر في مد اليد للتعاون مع الجزائر”.
وقالت كاثرين مورين ديسايلي، السيناتور الفرنسي من يمين الوسط التي عملت منذ فترة طويلة على إعادة رفات الموتى، “لقد سادت الأمور الدبلوماسية على المسائل التاريخية”.
لم ترد الحكومة الجزائرية على طلبات “نيويورك تايمز” للرد على هذا الموضوع، ولا يزال من غير الواضح سبب قبولها لبعض الجماجم التي لم تكن تلك الخاصة بمقاتلي المقاومة، خاصة أنها كانت تنتقد بشدة جوانب من سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجاه البلاد، على الأقل حتى ذوبان الجليد مؤخرا.
ورفض مكتب ماكرون التعليق، وأعاد توجيه الأسئلة إلى وزارة الخارجية، التي قالت إن قائمة الجماجم التي تم إرجاعها “تمت الموافقة عليها من قبل الطرفين”.
وفي الواقع، تمت إعادة العظام بموجب اتفاقية وقعتها الحكومتان في 26 جوان 2020، والتي تضمنت ملحقا من أربع صفحات يوضح بالتفصيل هويات الرفات. وأظهرت الوثيقة، التي حصلت عليها صحيفة “نيويورك تايمز”، أن من بين الرفات المسترجعة هناك من يعود للصوص وثلاثة جنود مشاة جزائريين خدموا بالفعل في الجيش الفرنسي.
وفي الوقت الذي تحاول فيه فرنسا إعادة تشكيل علاقتها مع إفريقيا، جزئيا من خلال الالتزامات بإعادة الأعمال الفنية والبقايا من الحقبة الاستعمارية، أصبح بعض الأكاديميين والمشرعين قلقين بشكل متزايد بشأن التعويضات التي يبدو أنها تفلت من الصرامة العلمية والتشريعية.