موجة من العنصرية المتصاعدة يمارسها بعض الأتراك ضد سياح ومقيمين عرب أثارت جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي وقت يربطها البعض فقط بالوجود السوري الكثيف على الأراضي التركية تفسر معطيات تاريخية سبب هذه النزعة.
هذا الموقف النفسي الذي تبلور لدى الأتراك ضد كل ما هو عربي ليس وليد اليوم وإنما تعود فصوله إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في إطار اليقظة القومية العربية ضد كل ما هو تركي في المشرق العربي لمناهضة التتريك.
امحمد جبرون، مفكر ومؤرخ، أوضح، في هذا السياق، أن من تداعيات هذه اليقظة العربية محاصرة النفوذ التركي والعثماني في المشرق العربي الذي أدى في النهاية الى انهيار الإمبراطورية العثمانية.
تابع المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن الإمبراطورية العثمانية في البداية كانت تعتبر خلافة إسلامية في اللاشعور الإسلامي. ومن ثمّ، لم يكن ينظر إليها كمحتل وإنما كحاملة للمظلة الشرعية الإسلامية؛ لكن عندما تغيرت هذه المرجعية واخترقتها مرجعيات حديثة مرتبطة بالليبرالية أصبحت هذه المظلة غير معترف بها وأضحت شكلا من أشكال الاستعمار، وهو ما خلق نضالا قوميا ضد الوجود التركي مارسته كثير من التيارات العربية في مصر وفي بلاد الشام؛ ما أدى إلى إضعاف العثمانيين وسقوط الإمبراطورية.
هذا التاريخ يدرس للأتراك، ولديهم موقف نفسي تجاه العرب، ظهر بشكل كبير بسبب الظروف التي تعيشها تركيا ثم الأزمات الإقليمية المرتبطة خاصة بكثافة الهجرة واللجوء السوري ومناكفات تركيا مع بعض الدول العربية.
من جانب آخر، أشار جبرون إلى أن الدولة التركية القومية التي أسس بنيانها أتاتورك كانت تضمر نوعا من العداء واللوم التاريخي للعرب باعتبارهم ساهموا في إسقاط المجد التركي، مؤكدا أن عودة تركيا إلى السياسة الشرقية والعالم العربي والارتفاع المتزايد للوجود العربي في تركيا والذي تعزز مع الأزمة السورية والثورات العربية أعاد من جديد العنصرية تجاه العرب.
من جهة أخرى، أفادت معطيات تاريخية بأن العنصرية شملت كذلك الأتراك فيما بينهم، حيث غذت النزعة “الأتاتوركية” الداعمة للعلمانية والقيم الغربية العنصرية ضد الفئة “المتدينة” من الأتراك.
الأتراك السود والأتراك البيض كان هذا عنوان العنصرية بين أبناء المجتمع الواحد؛ فالأول يعني الأتراك ذوي التوجه الفكري المتدين والمستوى الاجتماعي المتدني، بالنظر إلى التضييق الذي كانت تفرضه الحكومة العلمانية على هذه الفئة. فيما كان يعتبر الأتراك البيض من الطبقات الميسورة والتي تحظى بوظائف مرموقة، بالنظر إلى التسهيلات التي قدمتها الحكومة العلمانية لهم والتي ساهمت في احتكارهم لمناصب الثروة في البلاد.. فيما ظل المحافظون محصورين في مهن متواضعة ومستويات تعليمية محدودة.
هذا الوضع، الذي تخلصت منه نسبيا تركيا خلال العقدين الأخيرين، عاد إلى الواجهة مجددا لينفجر ضد الأجانب من العرب؛ ففئة من الأتراك تعتبر أن الوجود العربي في البلاد يهدد القيم العلمانية ومبادئ الجمهورية التركية ويزاحمهم في خيرات بلادهم.
- المصدر هسبريس