التصقت عبارة كارتال أو كارتلات لدى عدد ليس بالهين لدى التونسيين ببارونات المخدرات وعلى رأسهم بابلو اسكوبار زعيم كارتال مدلين بكولومبيا أو خواكين كوزمان زعيم كارتال سينالوا بالمكسيك وهذه العبارة عبارة كارتيل بدا التونسيون في التعايش معها لخوض في الوضع الداخلي فرئيس الجمهورية استخدمها في أكثر من مناسبة خلال الأيامالقليلة الماضية كان اخرها حين تحدث عن العودة المدرسية وهو يحذر من استغلالها من قبل الكراتلات لارباك السلم الأهلية عبر ارباك العودة المدرسية .
هذه العبارة استخدمتها أيضا منظمة الارت مؤخرا وهي تندد بممارسات عدد من البنوك والتي اتهمتها بتشكيل كارتيل يدافع عن مصالحها .
كما انه خلال سنة 2018 قامت منظمة الأزمات الدولية بنشر تقرير يشير الى وجود ما يشبه كارتيل مالي في تونس دون تسميته بتلك الصفة .
المنظمة ذكرت في تقرير لها عن تونس أن نحو 300 “رجل ظل” يتحكمون في أجهزة الدولة بتونس ويعرقلون الإصلاحات، وبعضهم يعطل تنفيذ مشاريع تنموية بالمناطق الداخلية ويحرك الاحتجاجات الاجتماعية فيها.
وحذرت المنظمة في تقريرها الذي حمل عنوان “الانتقال المعطَل: فساد وجهوية في تونس” من أن مظاهر الإثراء من المناصب السياسية والإدارية والمحسوبية والسمسرة أصبحت تنخر الإدارة والطبقة السياسية العليا في تونس (الأحزاب، البرلمان..)، وأن عموم المواطنين أصبحوا يعتبرون أجهزة الدولة أجهزة “مافيوزية.
وأكد التقرير أنه في الوقت الذي تشهد فيه التوازنات الاقتصادية انخراما ملحوظا، فإن الاستقطاب ما فتئ يقوى في عالم الأعمال بين رؤساء المؤسسات، ولكن أيضا بينهم وبين بارونات الاقتصاد الموازي وأهمّهم المهرّبون . فمن جهة نجد نخبة اقتصادية تنتمي إلى جهة الساحل وإلى بعض المدن الكبرى مبجّلة ومحميّة بواسطة ترسانة من التشريعات، وتأمل أن تبقى ببقاء الحال على ما هو عليه، نجد من جهة أخرى طبقة جديدة من رجال الأعمال برزت من المناطق المهمّشة، بعضهم تخصص في التجارة الموازية ويساند جزئيا الاحتجاجات العنيفة ضد السلطة، وهو يأمل أن يجد لنفسه مكانا بين النخبة الموجودة أو حتى تعويضها
فما هو الكارتيل
مصطلح مشتق من كلمة كارتا (Charta) اللاتينية التي تعني ميثاق. والكارتل هو الحلف الاحتكاري الذي يتم بين عدة منشآت يظل بعضها مستقلاً عن بعض رغم وجود اتفاق يلزمها جميعاً بالعمل على تحديد أو إزالة المنافسة فيما بينها. ويختلف الكارتل عن التروست (Trust) الذي هو عبارة عن مجموعة منشآت تخضع لإدارة موحدة.
وتتعهد المنشآت الأعضاء في الكارتل بالعمل على تقاسم الأسواق أو على تحديد كمية المنتوجات أو أسعار البيع أو عليها كلها. بحيث وإن كانت المنشآت المذكورة تنتج وتبيع منتوجاتها بشكل مستقل فيظل بعضها مربوطاً ببعض بحلف مشترك لأجل قد يطول أو يقصر حسب الاتفاق، بحيث إذا أخلّت إحداها بأي بند من بنود الاتفاق تتعرض لعقوبات مالية ثقيلة. وقد يكون الكارتل دولياً أي يشمل منشآت من عدة دول ويكون مجال عمله السوق الدولية كما هو الحال بالنسبة للكارتل النفطي الذي يضم عدة شركات يتحالف بعضها مع بعض للسيطرة على السوق العالمية للنفط بتحكمها في الأسعار زيادة أو نقصاناً، وقد تناقص دور ذلك الكارتل منذ أن أصبحت معظم الدول النفطية تتحكم في نفوطها بدرجات متفاوتة. كذلك الحال بالنسبة لكارتلات الفولاذ والصناعات الكيمياوية والصناعات الكهربائية.. التي ظهرت بشكل خاص في فترة ما بين الحربين العالميتين. وبعد الحرب العالمية الثانية، حيث لعبت دوراً كبيراً في الإبقاء على الاستعمار الاقتصادي للبلدان المنتجة للمواد الأولية.
وقد يكون مجال عمل الكارتل ضمن الحدود الوطنية، بحيث يمكّن بعض القوى الاقتصادية (الأوليغارشية المالية) من التحكم في الدورة الاقتصادية بمجموعها، وذلك بإحكام قبضتها على رؤوس الأموال والاستثمارات واليد العاملة ومصادر التمويل والأسواق الخ..
وتجدر الإشارة إلى أن الكارتل لا يتم إلا بين المنشآت الكبرى المتقاربة الأحجام والتي تنتج نفس المنتوجات أو المنتوجات المتشابهة والمكملة لبعضها وهناك الكارتلات أو التحالفات الأفقية والتحالفات العمودية:
– فالتحالفات الأفقية هي التي تتم بين المنشآت التي تعمل على نفس المستوى ضمن البنية العامة للنشاط الاقتصادي مثل التحالفات التي تتم على مستوى الإنتاج أو مستوى التوزيع… وقد يلقى هذا النوع تشجيعاً ضمن نظام الاقتصاد الحر من طرف الحكومة نفسها أثناء الأزمات بحجة تجنب تشتيت الجهود والوصول بالجهاز الإنتاجي إلى حالته المثلى وتنظيم الاقتصاد. وكان الرئيس الأمريكي (Roosvelt) من أوائل الذين أكدوا على ذلك عندما أصدر (التشريعات الصناعية). ولكن أثبتت التجارب أن الكارتل يعمل بالدرجة الأولى على تحقيق أكبر ربح ممكن لأعضائه، وبدل أن يزيد في الإنتاج وينظمه كما يعتقد الذين يريدون تشجيعه، فهو يعمل على تخفيض الكميات المنتجة أو المسوقة من سلعة ما لكي يرفع في سعرها، أي ممارسة المضاربة والاحتكار، وهو ما يسمى بتحديد العرض، أو يعمل على تخفيض كلفة الإنتاج دون أن ينعكس ذلك على المستهلك أي دون تخفيض الأسعار؛ أو يلجأ أيضاً إلى تجميد براءات الاختراع والتعتيم على الاختراعات الجديدة لحماية بعض المنتوجات مثلما هو الحال مثلاً بالنسبة لتعطيل العمل بالسيارة الكهربائية التي يمكن إنتاجها واستعمالها عملياً بشكل ناجح، وذلك لحماية صناعة السيارات التقليدية والصناعات النفطية…
– أما الكارتلات أو التحالفات العمودية فهي ترمي إلى الحد من مرونة السوق وخاصة الحد من كثرة البائعين والمشترين الصغار الذين يبيعون ويشترون كميات صغيرة من السلع وهو ما يسمى (Atomicite du marche) وذلك لكي لا يستفيد المشتري من لعبة المنافسة بين البائعين للمحافظة طبعاً على أسعار البيع مرتفعة، كما تمارس تلك التحالفات أيضاً تعسفاً في حق المستهلك وبائع التجزئة (المفرق) بفرض أسعار مرتفعة جداً بحيث إذا رفض بائع التجزئة بيعها بذلك السعر وأراد بيعها بسعر أقل فإن المنتج أو بائع الجملة الذي هو عضو في الكارتل يرفض تزويده بالسلع الضرورية وبذلك يمارس عليه ضغطاً قوياً، كما قد يلجأ المنتج العضو في الكارتل إلى منح حق الامتياز في التوزيع إلى عدد محدد من الموزعين ويمنعه عن عدد آخر ليحكم قبضته على أولئك الموزعين. كما تستخدم الكارتلات العمودية ممارسات تعسفية أخرى مثل المماطلة في تسليم المنتوجات في موعدها المحدد أو تزويد الموزع بسلع معيبة أو قليلة الجودة…. لمعاقبته إذا ما بدت منه أي محاولة للتمرد على قراراتها.
ومنذ القديم كانت الحكومات بمختلف مذاهبها تعمل على محاربة الكارتل والتحالفات الاقتصادية الاحتكارية التي تريد عرقلة (المنافسة النزيهة) كما يسميها منظرو الاقتصاد الحرب. فأول قوانين ضد التحالفات الاحتكارية صدرت في الولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر. فقد ظهر أولاً قانون شرمان في 1890، ثم قانون كلايتون في 1914، ثم تأسست في السنة نفسها هيئة فدرالية لمحاربة التحالفات والعمودية منها بشكل خاص. واستمرت المجابهة للتحالفات قوية إلى أن أتت حكومة الرئيس روزفلت وأصدرت، كما سبق قولنا، تشريعات لتخفيف القيود عن التحالفات بل ولتشجعيها، ولكن المحاولات الرامية لاحتواء الكارتلات باءت بالفشل، الأمر الذي يجعل مختلف الحكومات اللاحقة تعود لسياسة مجابهة الكارتلات معتمدة في ذلك على الهيئة الفدرالية التي تعتمد إلى فرض عقوباتها الزجرية عند حدوث المخالفات التالية: عمليات الدمج لغاية الاحتكار. – فرض أسعار تعسفية. – إيجاد منافسة غير نزيهة بين الموزعين وتخصيص البعض بعقود امتياز. – الدعاية الكاذبة والمضللة.
واتبعت بريطانيا السياسة نفسها في مجابهة الكارتل فأصدرت قوانين في ذلك الشأن مثل قانون 1948 الذي أصدرته حكومة العمال، وقانون 1956 الذي صدر في عهد حكومة المحافظين.
أما في ألمانيا الاتحادية فإن سياسة مجابهة الكارتلات كانت دوماً معتدلة وكانت لا تحد إلا من المبالغة في الاحتكار دون التعرض للكارتلات ذاتها مثلما يتضح في قانون 1923، بل إن النظام الهتلري شجع الكارتلات بحجة (توجيه الانتاج وتنظيمه). وإذا كان قانون 1957 والمطبق حالياً يعتبر أكثر صرامة فإنه في الواقع لا يلغي دور الكارتل في الحياة الاقتصادية. وربما يرجع ذلك إلى أن الكارتل الألماني يختلف نسبياً من حيث أنه أكثر انضباطاً وتقيداً بالقوانين التي يضعها المسؤولون من ناحية وللتربية المدنية وروح الانضباط العالية السائدة في المجتمع الألماني من ناحية أخرى، بحيث يظل الاحتكار أقل نسبياً مما هو عليه في الدول الأخرى.
أما في فرنسا فقد ألغيت التحالفات الاحتكارية منذ 1791 إبان الثورة الفرنسية بصدور القانون الشهير المعروف باسم (Le Chapelier) ولكن لم تأت سنة 1864حتى ألغي ذلك القانون وعوض بآخر يسمح بإقامة مختلف أنواع التجمعات والتكتلات. وفي مطلع القرن العشرين صدر قانونان يعاقبان اللجوء إلى التكتلات التي ترفع أو تخفض الأسعار بشكل مصطنع أو تلجأ إلى وسائل لا تراعي القانون الطبيعي للعرض والطلب للحصول على الأرباح… ثم تأسست لجنة خاصة لمحاكمة التحالفات الاحتكارية.
كما نص ميثاق المجموعة الأوروبية على حرية المنافسة وأدان كل الممارسات التي من شأنها عرقلة المنافسة الحرة والنزيهة. كما توجد ضمن السوق الأوروبية المشتركة لجنة خاصة لمحاكمة الكارتل. وقد تبلغ العقوبة المفروضة على المخالفين حتى مليون وحدة حسابية أو 10% من رقم أعمال (رقم المبيعات) المنشأة المدانة ويقع التشهير بها لدى الدول الأعضاء. ولكن الواقع يظهر أن كل تلك القرارات تظل حبراً على ورق لأسباب عملية (صعوبة التحقيق في المخالفات) وأسباب سياسية.