تساءلت سابينا هينبرغ من معهد واشنطن و سارة يركس الباحثة في “برنامج الشرق الأوسط” التابع لـ “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي”. وقد ألّفتا معاً دراسة التي أصدرها المعهد مؤخراً تحت عنوان “تجنب خطأ الانتخابات في تونس” ان كان الشعب التونسي سيصوت يوم الأحد القادم .
الباحثتان قدمتا جملة من النصائح لصناع القرار في واشنطن ولعل من أغرب هذه النصائح دعوة الادارة الأمريكية لحث كل من رئيسة الوزراء الايطالية – أقصى اليمين – والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تحصل على أكثر من 84 بالمئة في الانتخابات الأخيرة – لتقديم النصيحة للرئيس قيس سعيد للكف عن ممارساتها التي قد تؤدي الى الفوضى في تونس وتهدد استقرار المنطقة .
وجاء في الدراسة لقد ” أجرت تونس ثلاث انتخابات في عهد سعيّد، وجميعها شهدت نسبة مشاركة منخفضة بشكل كبير. ففي جويلية 2022، شارك أقل من ثلث الناخبين للتصويت على دستور جديد يقوّض ميثاق 2014 ويعزز سلطة سعيّد. وفي ديسمبر 2022، صوت 11% فقط لانتخاب أعضاء جدد في البرلمان بعد أن حل سعيّد الهيئة التشريعية السابقة، وهي واحدة من أدنى نسب المشاركة في أي انتخابات وطنية في أي دولة في العالم. وتم تكرار هذا الأمر المشكوك فيه في ديسمبر التالي عندما أمر سعيّد بإجراء انتخابات لمجلس ثان جديد للبرلمان.
ورغم أن المعارضة السياسية في تونس قاطعت الانتخابات السابقة في عهد سعيّد، إلا أنها لم تعلن حتى الآن عن مقاطعة رسمية لانتخابات يوم الأحد القادم . ومع ذلك، نظراً لعدم توفّر خيارات حقيقية للناخبين وانشغالهم بارتفاع معدلات البطالة والتضخم، فمن غير المرجح أن يتوجه الناس بأعداد كافية لمنح سعيّد تفويضاً قوياً لولايته الثانية الحتمية.
التداعيات السياسية
تقول الباحثتان ” استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في التحوّل الديمقراطي في تونس، وهي قلقة بشكل متزايد بشأن الاستقرار في تلك البلاد وفي دول أخرى في شمال أفريقيا. كما حافظ صناع القرار الأمريكيون على علاقات وثيقة مع عناصر في الحكومة والجيش التونسيين الذين يمكنهم المساعدة في حث سعيّد على الابتعاد عن سياساته الأكثر إشكالية. وعليه، حتى لو ارتفعت نسبة المشاركة في التصويت يتعين على واشنطن أن تتجنب منح هذه الانتخابات المزوّرة شرعية غير مستحقة من خلال إصدار بيانات تهنئة أو الإشادة بالتقدم الديمقراطي في تونس. وبدلاً من ذلك، ينبغي عليها أن تؤكد علناً وسراً على الآثار السلبية للقمع على الشعب التونسي والعلاقات الخارجية للبلاد.”
وعلى المدى الطويل، بإمكان المسؤولين اتخاذ خطوات متعددة للمساعدة في استعادة النمو الاقتصادي والاستقرار والأمن في تونس. أولاً، ينبغي على الحكومة الأمريكية والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة الاستمرار في تعزيز العلاقات العملية مع الحكومة التونسية والمجتمع المدني. وعلى الرغم من التغييرات المتكررة والتراجع في عهد سعيّد، إلّا أن البيروقراطية في البلاد تمكنت إلى حد كبير من الاستمرار في العمل، كما أن العديد من منظمات المجتمع المدني استمرت في القيام بدور المراقبين المهمين، والدفاع عن حقوق الإنسان والعودة إلى الديمقراطية. وستحتاج هذه المجموعات إلى المزيد من الدعم المالي والخطابي في ظل الوضع الحالي. ومع استهداف سعيّد المتزايد للمنظمات التونسية التي تتلقى تمويلاً أمريكياً، ينبغي على واشنطن استخدام نفوذها لمنع انكماش المساحة المدنية أكثر من ذلك.
ثانياً، بإمكان الولايات المتحدة اتخاذ خطوات تساعد في استعادة ثقة الشعب التونسي في الطبقة السياسية. ويشمل ذلك العمل مع الناشطين الشباب والبيروقراطيين من المستوى المتوسط الذين يمكنهم لعب أدوار سياسية في المستقبل، مع الإدراك بأن الجيل الحالي من السياسيين قد فقد مصداقيته إلى حد كبير. كما أن برامج التعليم والتبادل أيضاً من شأنها أن تساعد في هذا السياق – حيث يرغب العديد من التونسيين في الحصول على هذه البرامج كوسيلة لتوسيع فرصهم في تعلم اللغة الإنجليزية وتطوير المهارات التي تساعدهم في دخول سوق العمل.
ثالثاً، تتمتع الولايات المتحدة بعلاقة عميقة مع الجيش التونسي، الذي لا يزال يُعتبر الجهة الفاعلة الأكثر ثقة في البلاد. ولذلك، ينبغي على الكونغرس الأمريكي أن يقاوم الميل إلى قطع التمويل عن تونس. وبدلاً من ذلك، عليه أن يستمر في الضغط من أجل التدريب الذي لا يحافظ فقط على أمن تونس والمنطقة الأوسع نطاقاً، بل ويساعد أيضاً في ضمان قدرة الجيش على العمل كحاجز (في حماية البلاد) إذا ما تحققت المخاوف بشأن العنف الانتخابي.
رابعاً، يجب على الولايات المتحدة العمل مع الزعيمين الأجنبيين اللذين يحظيان باهتمام سعيّد: الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. وقد نمت علاقة واشنطن مع الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية، وأبدت الجزائر اهتماماً متزايداً بالتعاون مع الأمريكيين على مستوى الشعب. يجب على المسؤولين الأمريكيين الاستفادة من هذا التحسن، وذلك جزئياً لتعزيز تواصلهم مع الشعبين الجزائري والتونسي، ولكن أيضاً لتشجيع الجزائر بهدوء على استخدام نفوذها مع سعيّد. وعلى وجه الخصوص، بإمكان تبون أن يذكّر الرئيس التونسي بأن الحفاظ على الاستقرار أمر بالغ الأهمية، وخاصة في وقت تزايدت فيه الاحتجاجات ضده.
أما بالنسبة لميلوني، فقد أصبحت الصوت الفعلي لأوروبا في تونس، حيث قادت المفاوضات بشأن العديد من حزم المساعدات والاتفاقيات المتعلقة بالهجرة مع سعيّد. ينبغي على واشنطن أن تحث روما والشركاء الأوروبيين الآخرين على المساعدة في الحد من المزيد من التراجع الاستبدادي في تونس من خلال تشجيع سعيّد على تنفيذ إصلاحات اقتصادية حيوية. ويمكن أن تفيد هذه التدابير بلاده وأوروبا على حد سواء، وذلك جزئياً من خلال معالجة بعض الأسباب الجذرية للهجرة عبر تونس ومنها.”