“ننقد بجدية حين ننقد بسخرية” ، المخرج البولوني كاسيمير كروشماكسيكي
“لم يكن أبدا هاجسنا تقديم “الموضوع التابو” أو مس المحاذير بل كان هدفنا الوحيد هو تمرير أفكارنا المجنونة بطريقة مختلفة” هكذا قدم المخرج المنصف الزهروني عمله بإختصار وشمولية تختزل ما سنشاهد في مسرحية 2034 إقتراح متواضع.
دلالة العنوان:
“2034” ، إعتمد المخرج تقنية فانتازيا الزمن وإختار أن تدور أحداث العمل بعد عشر سنوات من الآن إلا أن عند مشاهدة العمل سنلاحظ تطابق الوضعيات والأحداث مع ما هي عليه الآن فأراد بإختصار أن يستشرف بقاء الوضع كما هو عليه رغم مرور الزمن.
تدور أحداث العمل سنة 2034 حيث تجد نيروز المرأة الأربعينية نفسها متهمة في قضية تنظيم مهرجان للبورنوغرافيا” أيام قرطاج البورنوغرافية” ، فنجدها في وضعية دفاع سردت خلالها تفاصيل تنظيم المهرجان منغمسة في كشف الستار عن فساد عديد القطاعات في الدولة والمجتمع.
“البورنوغرافيا” من مصطلح شبقي يتصدر قائمة محركات البحث إلى بوابة للتمعن في مفاهيم عدة:
يحضر مصطلح “البورنوغرافيا” بشكل لافت تقريبا في جل مشاهد المسرحية لكن المخرج أراد أن يخرج من المعنى المباشر لهذا المفهوم إلى دلالات وتفرعات أخرى ليتحدث عن الجنس والجندر و الميولات الجنسية بشكل مبسط ليتسنى للمشاهد فك شفرات هذه المصطلحات وفهمها بشكل مبسط تتخلله الكوميديا في أغلب الأحيان.
نص غني بالمصطلحات العلمية:
بأسلوب سلس عرف منصف الزهروني العديد من المصطلحات التي يجهلها الكثير على غرار “البيدوفيليا” و”النيكروفيليا” و”الزوفيليا” كما سلط الضوء على اللاجنسية بما هي ميل جنسي مسكوت عنه إعلاميا ومجتمعيا .
أساليب ضحك مبتكرة تخرج عن النمطية:
أراد المنصف الزهروني الخروج من كليشيهات الضحك الذي إعتاد الجمهور إستهلاكها سواء في الأعمال التلفزية أو المسرحية وحتى السينمائية.
فسعى إلى تجاوز الضحك من خلال السخرية من الشكل والحجم واللهجة ليخلق ضحكا جديدا يعتمد بالأساس على “الساركازم” والتهكم على كل ما هو ثابت ومقدس بهدف التغيير والاصلاح والتوعية .
فسخر من كل شيء وجعل جميع المواضيع موضع تهكم رغم حساسيتها
كوميديا ساخرة ذات بعد تثقيفي توعوي تنتقد الأوضاع السياسية والإجتماعية :
تمكن المخرج من التعويل على موهبته الكبيرة لخلق وضعيات كوميدية تمكنه من نقد كل ما هو سياسي (الرئيس، الدولة٫ وزارة الثقافة٫ سياسة الحكم) وإجتماعية (نظرة المجتمع للجنس، للمرأة …) بأسلوب ساخر وبسيط.
عندما تحضر الخلفية السينمائية:
“لقد اصطحبت المسرح إلى السينما والسينما إلي المسرح” هكذا فسر المنصف الزهروني مخرج العمل حضور السينما من خلال توظيف مشاهد مصورة تصويرا سينمائيا.
فإن بروز التكنولوجيات الحديثة وإمكانية التراوح بين مختلف الفنون دفع مختلف المخرجين إلى ركوب موجة التجريب في العرض المسرحي أي توظيف أهم تقنيات السينما بغرض إضفاء أكبر قدر من المتعة والجمالية وكسب المتلقي وإشراكه في اللعبة المسرحية وما تقدمه من فرجة وترفيه.
فصور المخرج كواليس العمل تصويرا سينمائيا ساخرا لإدخال المشاهد في العالم الخارجي للعرض من خلال شاشة تعكس ما وراء العمل.
حضور الكوريغرافيا وتعابير الجسد:
تشكل الكوريغرافيا ( فن تصميم الرقصات) مجالا إبداعيا مع تداخل الفنون على المسرح فقد صارت العروض الراقصة تحمل طابعا دراميا وأصبحت الدراما تحمل بعدا حركيا إبداعيا.
يفتتح العرض بالكوريغرافيا, فيعبر الراقص والممثل أحمد الڨريندي بجسده عن كل ما سيتخلله العمل المسرحي من تمرد وعنف وخوف وسعادة وأمل ومرارة وتشاركه فاطمة الفالحي المشهد فتحرر جسدها من كل القيود العرفية والمجتمعية في رقصة جريئة جرأة تحاكي مضمون العمل.
أداء متميز لبطلة العمل:
كعادتها، فاطمة الفالحي الممثلة المتمكنة من آليات تمثيلها القادرة على إقناع المشاهد ، أبدعت في أن تكون نيروز فأقنعت المشاهد بجميع إنفعالاتها ووظفت تعبيراتها الجسدية لخدمة النص
نهاية واقعية لعمل أراد إبعادنا عن الواقع:
تعد نهاية العمل الجزء الأكثر واقعية وجدية في العمل ، فقد إنتهى العمل بموت البطلة ووضع رأسها تحت المصقلة كما توضع جميع أحلامنا في هذا البلد.
مريم مرايحي