أعلنت بعثة دولية من علماء الآثار عن اكتشاف مجمّع روماني ضخم لإنتاج زيت الزيتون في ولاية القصرين، عند سفح جبل السُمّامة، يُعدّ ثاني أكبر منشأة من نوعها معروفة في تاريخ الإمبراطورية الرومانية. ويؤكد هذا الاكتشاف الدور المحوري الذي أدّته منطقة تونس الحالية في تزويد روما بزيت الزيتون، وهو منتَج استراتيجي استُعمل في الغذاء والإنارة والتجميل.
ويتكوّن المجمّع، المعروف باسم Henchir el Begar، من قطاعين: الأول Hr Begar 1 حيث عُثر على اثني عشر معصرة رافعة ضخمة (torcularia)، والثاني Hr Begar 2 الذي يضم ثماني معاصر أخرى. ووفق البيان الجامعي المصاحب للاكتشاف، فإن هذا الموقع يُعدّ ثاني أضخم مركز معروف لإنتاج الزيت في الإمبراطورية الرومانية.
المعاصر التي كانت تعمل برافعات خشبية ضخمة وأثقال موازنة، كانت قادرة على إنتاج مئات اللترات من الزيت يوميًا، موجّهة أساسًا للتصدير نحو روما وبقية المقاطعات.
وتمتد مساحة الموقع على 33 هكتارًا، وتضم مخازن، ونظامًا هيدروليكيًا متكاملًا يشمل حوضًا لتجميع المياه وصهاريج وقنوات، إلى جانب مساكن وسوق محلي مدمج في التقويم الإداري الروماني. وكان الزيت يُباع محليًا أو يُنقل عبر ميناء قرطاج. وتشير المعطيات إلى أن المجمّع كان مملوكًا لسيناتور روماني، ما يعكس انخراط النخب في استثمارات زراعية كبرى على أطراف الإمبراطورية.
كما كشفت الحفريات عن وِيكوس ريفي مجاور – وهو تجمّع سكني غير متمتع بحكم ذاتي – يضم منازل وورشات ومباني جماعية. وقد سكنه محاربون رومانيون قدامى إلى جانب أفراد من قبائل المــوســولامــي (أسلاف الأمازيغ). وعُثر في السطح على حجارة رحى وأدوات فلاحية تؤكد ممارسة نشاط زراعي مزدوج: زيتونًا وحبوبًا.
وأظهر مسح بالرادار الجوفي شبكة كثيفة من الشوارع والمخازن والمنازل، ما ينفي الصورة التقليدية عن القرى الطرفية باعتبارها بدائية، ويبرز أن المنطقة كانت مركزًا اقتصاديًا متطورًا ببنية تحتية متكاملة.
وشملت الاكتشافات أيضًا سوارًا من النحاس الأصفر وشظايا معمارية ونواة حجرية من حجر الكلس.

