الرئيسيةاقتصادتقرير لموقع صيني مستقل:هل وصلت تونس متأخرة

تقرير لموقع صيني مستقل:هل وصلت تونس متأخرة

في 31 أكتوبر 2025، امتنعت الصين عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار الداعم لمقت

رح المغرب حول “الحكم الذاتي في الصحراء الغربية”، كحلٍّ للنزاع بين الرباط وجبهة البوليساريو. قبل التصويت بيومين، أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي مكالمة هاتفية مع نظيره الجزائري أحمد عطاف لشرح الموقف الصيني، في خطوة أبرزت الموازنة الدقيقة التي تحاول بكين الحفاظ عليها بين الجزائر والمغرب.

يرى محللون أنّ الصين تسعى منذ سنوات إلى الحفاظ على توازنها بين القوتين الإقليميتين في شمال أفريقيا، غير أنّ امتناعها الأخير عن التصويت يُنظر إليه في الرباط كإشارة إلى ميلٍ صينيٍّ متزايد لصالح المغرب.

خلال السنوات الأخيرة، تحولت العلاقات الاقتصادية المتنامية بسرعة بين الصين والمغرب إلى واحدة من أبرز التطورات السياسية في المنطقة. وغالبًا ما فُسّر هذا التقارب في الصحافة الدولية والمغربية على أنه انعكاس لبراغماتية صينية تسعى إلى الوصول غير المباشر للأسواق الغربية، يقابلها طموح مغربي لتوسيع شراكاته الدولية وتنويعها. غير أن هذه الشراكة الصينية – المغربية أثارت في المقابل تفاعلات متعددة في الضفة المتوسطية المقابلة، لا سيما في فرنسا والجزائر وتونس، حيث تمّ تناولها بقراءات مختلفة بحسب الخلفية السياسية والتاريخية والإعلامية لكل بلد.

هذا التقرير من مشروع ChinaMed Observer وهو مجموعة اعلامية صينية مستقلة يتناول كيف قرأ الإعلام والخبراء في فرنسا والجزائر وتونس التقارب الصيني – المغربي، باعتباره مرآة لإعادة تشكيل موازين القوى في المغرب العربي وتحديًا للتسلسلات الاستعمارية القديمة.

فرنسا: “الصحوة المتأخرة” على الصعود الصيني في المغرب

قبل ثلاث سنوات فقط، وصلت العلاقات الفرنسية – المغربية إلى أدنى مستوياتها بعد سلسلة من الأزمات السياسية والدبلوماسية، أبرزها تصويت البرلمان الأوروبي في جانفي 2023 ضد الرباط بدعوى “انتهاك حرية الصحافة”، وسياسة التأشيرات التقييدية التي استهدفت المغاربة. وردًّا على ذلك، صرّح الملك محمد السادس بأنّ العلاقات “ليست جيّدة ولا ودّية”.

لكنّ برودة العلاقات مع الجزائر دفعت الإليزيه إلى إعادة ضبط سياستها المغاربية لصالح الرباط. وجاءت زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المغرب في أكتوبر 2024 لتشكل نقطة تحوّل كبرى، إذ أعلن خلالها اعترافه الصريح بـ“سيادة المغرب على الصحراء الغربية”، في سابقة سياسية فتحت باب المصالحة ومحاولة استعادة النفوذ الفرنسي في المملكة والمنطقة.

منذ ذلك التاريخ، تسعى باريس لاستعادة الثقة، مدفوعة بوعي متزايد بأهمية المغرب في استراتيجيتها الإقليمية. كتبت مجلة لوبوان أن “بلدان المغرب العربي تبتعد أكثر فأكثر عن باريس”، فيما أشار الصحفي فريدريك بوبان في لوموند إلى أن “فرنسا تميل إلى إعادة توازن سياستها المغاربية لصالح الرباط بعد فشلها في المصالحة مع الجزائر”.

لكن رغم هذا الانفتاح، ظلت اللغة الرسمية الفرنسية حذرة، إذ أكد قصر كيه دورسيه أن “دبلوماسية فرنسا ليست لعبة صفرية”. غير أنّ الخطاب الإعلامي يكشف قلقًا متزايدًا من فقدان النفوذ أمام شريك صيني أكثر حيوية وبراغماتية.

أبرز مثال على ذلك هو المنافسة الحادة بين باريس وبكين في قطاع النقل، وخاصة مشاريع السكك الحديدية فائقة السرعة. فبعد أن موّلت فرنسا 51% من خطّ طنجة – الدار البيضاء، تسعى الشركات الصينية للفوز بمشروع مراكش – أكادير، ما يهدد تقليص الهيمنة الفرنسية التقليدية.

وينسحب التنافس إلى قطاعات الاقتصاد الأخضر والبطاريات الكهربائية، حيث تتقدّم شركات صينية كبرى مثل CATL وBYD على نظيراتها الأوروبية. هذا الواقع جعل محللين فرنسيين يحذرون من “تراجع فرنسا في فناءها التاريخي”، بينما يدعو آخرون بلادهم إلى “الاستيقاظ قبل فوات الأوان”.

بالمقابل، يرى خبراء مغاربة أن براغماتية الرباط مكّنتها من أن تصبح طرفًا لا يمكن تجاوزه في السياسات الأوروبية والأفريقية على السواء.

الجزائر: القلق من العزلة الإقليمية

تعكس التغطية الإعلامية في الجزائر الانقسام بين الخطاب الرسمي والخطاب المستقل. فالإعلام الحكومي يقدّم العلاقة مع الصين على أنها “نموذجية ومزدهرة”، كما فعلت الإذاعة الجزائرية عند تغطيتها لمنتدى التعاون الصيني – الجزائري لسنة 2025 الذي أسفر عن توقيع ثمانية اتفاقيات بقيمة تفوق ملياري دولار.

غير أن المراقبين المستقلين يرون الصورة مغايرة. فقد اعتبرت الباحثة إيزابيل وورنفلز أن الجزائر تحولت إلى “سوق استهلاكية” بالنسبة للصين، في حين أصبح المغرب “شريكًا تشغيليًا في مشاريع ذات قيمة مضافة عالية”.

الصحفي الجزائري عبدو سمّار، مؤسس موقع Algérie Part، انتقد ما سماه “الخطاب المنتشي بالفراغ”، معتبرًا أن الاستثمارات الصينية الحقيقية تراجعت منذ نهاية حكم بوتفليقة. وأشار إلى أنّ زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الدار البيضاء في نوفمبر 2024 “مرّت بصمت رسمي في الجزائر”، ما يدلّ – في رأيه – على “تحوّل جيوسياسي جديد يضعف مكانة الجزائر”.

وقال سمّار إن نقل مشروع تصنيع الشاحنات من الجزائر إلى المغرب وافتتاح خط جوي مباشر بين شنغهاي والدار البيضاء “يبرهنان على عزل الجزائر”، مضيفًا:“تبون يعزلنا… كل المشاريع الكبرى تحولت إلى المغرب”.

وهكذا، بينما تصف الحكومة العلاقة مع الصين بأنها “صداقة كاملة”، يرى الإعلام المستقل والدولي أنّها علاقة فقدت الزخم، وأن الجزائر تخاطر بخسارة موقعها الإقليمي لصالح جارتها الغربية.

على خلاف الجزائر، لا تنظر تونس إلى التقارب المغربي – الصيني من زاوية المنافسة العدائية، بل من زاوية التأمل والمقارنة.

فالعلاقات التونسية – الصينية، رغم قدمها (أكثر من ستين سنة)، ما زالت محدودة بنيويًا. وتجمع معظم التحاليل الصحفية على أنّ تونس “جاءت متأخرة” في الانخراط في مبادرة “الحزام والطريق”، بسبب ضعف البنية اللوجستية وغياب استراتيجية واضحة.

في المقابل، ترى وسائل الإعلام التونسية أن المغرب نجح في تحويل شراكته مع الصين إلى رافعة تنموية. فميناء طنجة المتوسط يُوصف اليوم بأنه “ثالث أهم محور بحري في العالم بعد شنغهاي وبنما”، وفق ما نقلت تونسي فوكوس عن الصحفي الفرنسي سيباستيان لو بلزيك.

ويعتبر الدبلوماسي السابق إلياس القصري أن “تونس كانت نموذجًا للمغرب قبل ثلاثين سنة، واليوم انقلبت المعادلة”، داعيًا السلطات إلى “الاقتداء بالمغرب في جذب الاستثمارات وتطوير البنية التحتية”.

حتى في قطاع السياحة، يتحدث رئيس اتحاد وكالات السفر أحمد البتايّب عن المغرب ومصر كمنافسين مباشرين لتونس في استقطاب السياح الصينيين، رغم توقيع اتفاقية جديدة بين الاتحاد التونسي و”جمعية الابتكار التعليمي الصينية – شمال أفريقيا” التي جلبت 25 ألف سائح صيني إلى تونس عام 2024.

هذا الخطاب الممزوج بالإعجاب والغيرة يعكس إدراكًا تونسيًا متزايدًا بأنّ “الوقت يداهم” البلاد إذا لم تضع سياسة خارجية واقتصادية أكثر فاعلية تجاه الصين وآسيا عمومًا.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!