الرئيسيةاقتصادمنظمة التجارة العالمية:اليوم ينطلق إستعراض السياسة التجارية لتونس

منظمة التجارة العالمية:اليوم ينطلق إستعراض السياسة التجارية لتونس

انطلقت اليوم 25 نوفمبر 2025 والى غاية يوم 28 نوفمبر 2025 جلسة استعراض سياسة التجارة لتونس ضمن آليّة منظمة التجارة العالمية،

الاستعراض يعتمد على تقرير سكرتارية المنظمة وتقرير الحكومة التونسية.

هذا النوع من الاستعراضات يُعدّ فرصة لعرض ما أنجزته تونس من إصلاحات تجارية وما تواجه من تحديات، كما قطعة مهمة في تغطية الصحفي الاقتصادي التي تهمك.

قدّمت منظمة التجارة العالمية (WTO) في تقريرها الأخير صورة مركّبة عن الوضع الاقتصادي التونسي، تجمع بين نقاط قوّة واضحة تؤكّد استمرار انخراط البلاد في المنظومة التجارية الدولية، وبين تحديات بنيوية عميقة تعيق تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي. ويستعرض التقرير أبرز ملامح الاقتصاد التونسي، أداءه في التجارة الخارجية، إضافة إلى الإصلاحات التي باشرتها الدولة من جهة، ونقاط الضعف التي تستوجب معالجة عاجلة من جهة أخرى.

اقتصاد متنوّع وانفتاح تجاري استثنائي

بحسب التقرير، تظلّ تونس واحدة من البلدان القليلة في شمال إفريقيا التي تتميّز باقتصاد متنوّع يشمل الزراعة والتعدين والصناعة والخدمات. ويمنح هذا التنوع البلاد قدرة أكبر على الصمود أمام الصدمات مقارنة بالاقتصادات الريعية أو الأحادية.

كما يبرز التقرير درجة الانفتاح التجاري الكبير للبلاد، حيث تجاوز مجموع الصادرات والواردات نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي في عدد من السنوات. هذا المؤشر يُعدّ من أعلى المعدلات في المنطقة، ويعكس عمق اندماج الاقتصاد التونسي في التجارة الدولية، بما في ذلك سلاسل القيمة العالمية.

ولاحظ التقرير أيضاً أن نسبة الشركات التونسية المصدّرة مباشرة تفوق بكثير المعدل المسجّل في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو عنصر إيجابي يعكس ديناميكية القطاع الخاص وقدرته على الولوج إلى الأسواق الخارجية رغم الصعوبات المحلية.

إصلاحات قانونية ومؤسساتية لتعزيز تنافسية الاقتصاد

على صعيد الإصلاحات، سجّلت منظمة التجارة العالمية أن تونس باشرت خلال السنوات الأخيرة خطوات مهمة في تحديث الإطار القانوني والاقتصادي، من بينها تطوير قانون الاستثمار والانخراط الفعّال في عدة آليات تشاورية وتقنية تحت إشراف المنظمة. هذه الإصلاحات تُظهر، وفق التقرير، رغبة السلطات التونسية في تحسين مناخ الأعمال والالتزام بقواعد التجارة الدولية، رغم ما يواجهه المسار الاقتصادي من عوائق مالية وهيكلية.

نمو اقتصادي محتشم وضغوط مالية ثقيلة

غير أن الصورة الإيجابية الظاهرة في بعض المؤشرات سرعان ما تتقاطع مع مشاكل جوهرية. فقد سجّلت تونس معدلات نمو ضعيفة بعد جائحة كورونا، إذ بلغ النمو حوالي 0% سنة 2023 ولم يتجاوز 1.4% في 2024، وهي نسب غير كافية لخلق الثروة ومقاومة البطالة.

ويُبرز التقرير أيضاً عدداً من الاختلالات العميقة، أهمّها:

  • ارتفاع البطالة خاصة لدى خرّيجي الجامعات.
  • اتساع الاقتصاد غير الرسمي الذي يزاحم القطاعات المنظمة ويحرم الدولة من موارد جبائية.
  • تفاوت جهوي كبير بين الساحل والداخل، يعمّق الفوارق الاجتماعية.

إضافة إلى ذلك، تواجه البلاد ضغوطاً مالية حادة بفعل ارتفاع الدين الخارجي واتساع العجز المالي، فضلاً عن تراجع قيمة الدينار خلال السنوات الأخيرة، ما أثّر على كلفة الواردات والتضخم.

تعقيدات جمركية وقطاع طاقي يعاني من تبعية

وأشار التقرير إلى أن السياسة الجمركية أصبحت أكثر تعقيداً، حيث ارتفع معدل التعريفة الجمركية (MFN) وانخفضت نسبة المنتجات المعفية من الرسوم، وهو ما قد يضعف قدرة تونس على جذب الاستثمارات الأجنبية ويزيد كلفة الإنتاج بالنسبة للمؤسسات.

أما في قطاع الطاقة، فما تزال البلاد تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي والمصادر التقليدية، بينما لا تزال حصة الطاقات المتجددة محدودة في المزيج الطاقي، رغم الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها تونس في الطاقة الشمسية والرياح.

هيكلة صناعية ثابتة وسوق تصدير متمركزة

يسجّل التقرير أن الهيكل الصناعي التونسي ما يزال موجهاً نحو أربعة قطاعات رئيسية:

  • صناعة النسيج والملابس،
  • الصناعات الميكانيكية والكهربائية،
  • الصناعات الغذائية،
  • الصناعات الكيمياوية.

وتعتبر هذه القطاعات الأكثر قدرة تنافسية، لكنها تواجه بدورها ضغطاً متزايداً من المنافسة العالمية ومن التحولات السريعة في سلاسل الإنتاج.

كما يؤكد التقرير استمرار الاعتماد الكبير على السوق الأوروبية، حيث يتجاوز نصيب الاتحاد الأوروبي 70% من مجمل الصادرات التونسية، وهو ما يجعل الاقتصاد عرضة لتقلّبات الطلب الأوروبي.

الخدمات حجر الأساس في الاقتصاد

وتشير المنظمة إلى أن قطاع الخدمات أصبح يمثّل أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس تحوّلاً هيكلياً في الاقتصاد التونسي نحو الأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى، لكنه في الوقت ذاته يطرح تحديات تتعلق بجودة الخدمات، الإنتاجية، والكفاءة التنظيمية.

يخلص تقرير منظمة التجارة العالمية إلى أن تونس تمتلك أساسيات قوية للاندماج الدولي: اقتصاد متنوع، قطاع خاص نشيط، انفتاح تجاري واسع، وإرادة سياسية للالتزام بالقواعد الدولية.
لكن هذه العناصر الإيجابية تصطدم بثلاثة عوائق كبرى:

  1. نمو اقتصادي ضعيف لا يخلق وظائف جديدة.
  2. اختلالات مالية عميقة تثقل كاهل الدولة.
  3. مشاكل هيكلية تعيق تحديث الاقتصاد واستقطاب الاستثمار.

وبذلك يقف الاقتصاد التونسي اليوم عند مفترق طرق، بين الحفاظ على مكتسبات الانفتاح الاقتصادي، وبين ضرورة الدخول في إصلاحات جريئة وشاملة تعالج جذور الأزمة وتعيد الثقة للمستثمرين وللمواطنين على حدّ سواء.

*** «آلية مراجعة السياسات التجارية».

هذه الآلية هي واحدة من الإجراءات الرسمية لمنظمة التجارة العالمية (WTO) التي تهدف إلى:

  1. مراجعة سياسات التجارة لدولة عضو بشكل دوري.
  2. ضمان الشفافية في القوانين والإجراءات التجارية للدول الأعضاء.
  3. تقديم تقارير وتحليلات عن أداء الدولة التجاري، بما في ذلك الصادرات، الواردات، الرسوم الجمركية، والإجراءات غير الجمركية.
  4. منح الدول الأعضاء الفرصة لطرح أسئلة وانتقادات، وتتيح للدولة المعنية الردّ رسميًا على هذه الملاحظات.
  5. تحسين الممارسات التجارية وتشجيع التوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية.

بمعنى آخر، هي عملية رسمية لمراقبة ومراجعة كل السياسات التجارية للدولة، للتأكد من التزامها بالقواعد الدولية ولتحديد نقاط القوة والضعف في نظامها التجاري.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!