الرئيسيةاقتصادعملة قانونية بلا قيمة فعلية: التونسي يُحرم من الباقي جهارًا

عملة قانونية بلا قيمة فعلية: التونسي يُحرم من الباقي جهارًا

في ظلّ أزمة اقتصادية مركّبة يعيشها التونسيون منذ سنوات، برزت ظاهرة تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنّها تخفي أبعادًا مالية خطيرة: تهميش متعمّد للعملة الصغرى، من فئة 5 و10 ملّيمات، وحتى 20 و50 ملّيمًا، وهي الوحدات التي تمثّل القاعدة الدنيا للدينار التونسي.

كما ان غياب 5 مليم أو 10 مليم أو غيرها يعكس الفقدان التدريجي لقيمة العملة المحلية والتي ستشمل في قادم السنوات النقود من فئة حتى 50 و 100 مليم.

وبالتالي من الحلول الأساسية هو مكافحة التضخم المالي.

اليوم، لم يعُد المواطن يحلم باسترجاع ما تبقى من أمواله بعد عملية شراء، سواء من البقالة أو الفضاءات التجارية الكبرى. أما بعض المتاجر، فلم تعد حتى تخفي الأمر: تُعلّق إشعارات تُنبّه الزبائن صراحة إلى أنها “لا توفر صرفًا صغيرًا”، بينما يعمد تجار آخرون إلى تقريب الأسعار صعودًا دون أي مبرر قانوني، بل في تجاهل تام للعملة الرسمية التي أقرّها الدستور والقوانين المالية.

المفارقة أن هذه القطع النقدية لم تختفِ تمامًا من التداول — بل جرى التخلّي عنها عمدًا. والتجار لا ينكرون ذلك: بعضهم يصفها بـ”المتعبة”، وآخرون يعتبرون التعامل بها “تضييعًا للوقت”، فيما يتعامل العديد منهم معها كأنها بلا قيمة، على الرغم من أنها جزء لا يتجزأ من العملة الرسمية التونسية.

هذا السلوك الجماعي يُجسّد عمليًا تحقيرًا واضحًا للملّيم التونسي، ما يمهّد لتحوّله من أداة تبادل إلى مجرد ذكرى أو “تحفة معدنية” تُعرض للبيع على مواقع التواصل الاجتماعي، بأسعار تفوق قيمتها الاسمية بعشرات الأضعاف.

ما يحدث على أرض الواقع هو اقتطاع يومي غير معلن من جيوب التونسيين، يتم تبريره بعبارة “ما عناش فكة”، لكنه في جوهره شكل من أشكال التضخّم المقنّع، الذي لا تظهره الأرقام الرسمية، ويؤدي فعليًا إلى زيادة تدريجية في الأسعار دون أي إعلان.

مثلًا، إذا تم تقريب كل فاتورة بـ90 ملّيمًا فقط، فإن مواطنًا يستهلك يوميًا سيخسر نحو 25 دينارًا في السنة — رقم قد يبدو ضئيلًا، لكنه يتحول إلى نزيف صامت حين نضعه في سياق وطني شامل، يتكرر فيه “الاقتطاع الصغير” ملايين المرات يوميًا.

في هذا المشهد، يثير صمت البنك المركزي والسلطات المالية علامات استفهام ثقيلة. فلم تُصدر أي جهة رسمية تفسيرًا لندرة الفكة في السوق، ولم تُطرح أي خطط واضحة لإعادة إدماجها في الدورة الاقتصادية.

بل الأسوأ من ذلك، أن غياب تشريعات دقيقة تُنظّم عمليات تقريب الأسعار، سمح للتاجر بأن يصبح هو من يُقرّر متى ينهي المعاملة، وبأي قيمة، في غياب أي رقابة أو محاسبة. بذلك، تتحوّل المعاملة اليومية البسيطة إلى صفقة غير متكافئة، يُصادر فيها جزء من حق المستهلك، باسم “البساطة” أو “الواقع”.

الملّيم يتحوّل إلى سلعة رمزية

في مفارقة مثيرة، بدأت صفحات على “فيسبوك” و”إنستغرام” تعرض الملّيم الواحد كقطعة نادرة، بأسعار تتجاوز دينارًا كاملاً أحيانًا، وهو ما يعكس فقدان الثقة التدريجي في العملة الوطنية كوحدة تبادل حقيقية، وتحويلها – بشكل رمزي على الأقل – إلى منتج له قيمة خارج السوق الرسمية.

في مواجهة هذه الظاهرة، يُجمع خبراء الاقتصاد على أن الحلول يجب أن تكون فورية، منها:

  • ضمان توفير القطع النقدية الصغيرة في السوق، عبر البنك المركزي
  • سنّ قانون واضح وصارم يحدّد قواعد تقريب الأسعار عند غياب الصرف، لحماية المستهلك من التجاوزات
  • تشجيع الدفع الإلكتروني وتوفير حلول ذكية للدفع الدقيق حتى في المعاملات الصغيرة
  • إطلاق حملات توعية بحقوق المستهلك وأهمية احترام القيمة الرمزية للعملة، أيًا كانت فئتها

إن القطع النقدية الصغيرة ليست مجرد “خردة” بلا قيمة، بل هي أداة لضمان العدالة المالية اليومية. والتفريط فيها – عن وعي أو تواطؤ – هو تفريط في قيمة العملة الوطنية ذاتها، وفي الثقة بين المواطن والدولة، وفي مبدأ الإنصاف الذي يجب أن يسود أي علاقة تجارية.

في آخر إحصاء منشور سنة 2019، أعلن البنك المركزي أن:

  • 60.2 مليون قطعة من فئة 1 مليم ما تزال متداولة.
  • 36.5 مليون قطعة من فئة 2 مليمات.
  • 440 مليون قطعة من فئة 5 مليمات.
  • 242 مليون قطعة من فئة 10 مليمات.
  • 393 مليون من فئة 20 مليما.
  • 170 مليون من فئة 50 مليما.
  • 290 مليون من فئة 100 مليم
مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!