ولد عز الدين القسّام في بلدة جبلة جنوب مدينة اللاذقية السورية.
لّقى دروسه الابتدائية في بلدته في كتّاب والده. سافر وهو في الرابعة عشرة إلى القاهرة، والتحق بالجامع الأزهر، وأخذ العلم من خير أئمته، ومنهم الشيخ المصلح محمد عبده.
بعد نيله شهادة الأهلية، قفل عز الدين القسّام راجعاً إلى جبلة سنة 1903، حيث خلف والده في كتّابه يعلّم أصول الكتابة والقراءة وحفظ القرآن وبعض العلوم الحديثة.
تشرّب القسّام، خلال إقامته في مصر، أجواء الغليان الوطني ضد الاحتلال البريطاني، عقب فشل الثورة التي قادها الضابط في الجيش المصري أحمد عُرابي، وروح الدعوات الإصلاحية لحفظ الأمة بالاتحاد والاعتماد على النفس ومقاومة الاحتلال الأجنبي.
تولّى الشيخ عز الدين القسّام إمامة المسجد المنصوري في جبلة، وغدا، بخطبه ودروسه وسلوكه، موضع احترام الناس، وامتدت شهرته وحسن سمعته إلى المناطق المجاورة.
دعا القسّام بعد هجوم إيطاليا على ليبيا سنة 1911 إلى نصرة الشعب العربي الليبي عن طريق التظاهر والتطوع للقتال إلى جانبه، ثم كان من أوائل من انضم إلى الثورة ضد الاحتلال الفرنسي في الساحل السوري ما بين سنة 1919- 1920، وأبلى في قتالهم أحسن البلاء في الجبال المحيطة بقلعة صلاح الدين فوق اللاذقية، فأدرك الفرنسيون خطورته وحكموا عليه بالإعدام.
التجأ القسّام مع أسرته وبعض إخوانه إلى مدينة حيفا في أواخر سنة 1920، حيث عمل مدرّساً في مدرسة “البرج” الثانوية التي أنشأتها “الجمعية الإسلامية” المسؤولة عن إدارة الأوقاف الإسلامية في منطقة حيفا، ثم صار يعطي دروساً دينية في جامع “الاستقلال”، الذي شيّدته “الجمعية الإسلامية” نفسها، ملفتاً الأنظار بمواعظه. وبعد سنوات قليلة، أصبح إماماً وخطيباً في الجامع ذاته. كما أنشأ مدرسة ليلية لمكافحة الأمية.
شارك القسّام في تأسيس فرع “جمعية الشبان المسلمين” في مدينة حيفا، وانتخب، في تموز/ يوليو 1928، رئيساً له، فكانت هذه الجمعية وسيلة فعّالة لنشر الوعي الوطني بين صفوف الشباب والرجال واستقطابهم.
عيّن القسّام سنة 1930 مأذوناً شرعياً من قبل المحكمة الشرعية في حيفا، فصار يخرج إلى قرى الجليل ويتصل بالناس ويتعرّف إليهم، الأمر الذي زاد من شيوع صيته.
تابع القسّام استفحال الخطر الصهيوني بسبب السياسة البريطانية الداعمة لمشروع “الوطن القومي اليهودي”، ووصل إلى قناعة بأن بريطانيا هي العلّة والمعلول وأن لا سبيل إلى ردعها سوى بالكفاح المسلح المباشر ضدها، وأن لا سبيل إلى ذلك سوى بالإيمان الصادق ونبذ الحزبية والعائلية والتضافر والتضحية والالتزام بسرية العمل وإحكام التنظيم والتوقيت، فضلاً عن حنوه على الفقراء وذوي الدخل النزير وسعيه المتصّل لتحسين حالهم، فاستقطب بذلك في حلقاته الخاصة ولاء دوائر زادت اتساعاً من سكان الريف وشيوخه ممن وفدوا إلى حيفا للعمل في مينائها ومصانعها ومصفاتها، وسكنوا في أحياء بائسة تحيط بالمدينة شرقاً، وكان الكثيرون منهم ممّن أُجلوا عن أراضيهم لانتقال ملكيتها إلى أيدي الصهاينة.
لم يكن القسّام ليرغب في إعلان الجهاد ضد الاستعمار البريطاني قبل استكمال استعداده، بيد أن طوفان الهجرة اليهودية الجماعية في سنوات الثلاثينيات الأولى من القرن العشرين، وتضييق السلطات الرقابة عليه والخشية من ضربة استباقية تقوم بها، أمور جعلته يندفع إلى إعلان الجهاد في 12 نوفمبر 1935 ليلاً في حيفا ويتجه من ثم مع أحد عشر من إخوانه إلى أحراج قرية يعبد من أعمال جنين؛ فكانت معركة غير متكافئة- دامت ست ساعات- مع القوات البريطانية يوم 20 من الشهر نفسه، حيث استشهد الشيخ فيها مع أربعة من رجاله وجرح وأُسر الآخرون.
شهدت مدينة حيفا إضراباً شاملاً في 21 نوفمبر 1935، بعد وصول خبر استشهاده، فأُغلقت الحوانيت والمتاجر والمطاعم، وودع الآلاف من سكانها الشهيد عز الدين القسّام ومن استشهد معه من أنصاره في أضخم جنازة عرفتها المدينة.
دفن الشيخ القسّام في مقبرة “بلد الشيخ” من أعمال حيفا.
عز الدين القسّام شيخ مشايخ الجهاد الفلسطيني، لعب استشهاده دوراً كبيراً في إشعال الثورة الفلسطينية الكبرى (1936- 1939)، وألهم المقاومة الفلسطينية منذئذ جيلاً بعد جيل.