رغم شعبيته في جنوب أوروبا، لا يشكل زيت الزيتون سوى جزء ضئيل من استهلاك زيوت الطعام النباتية عالمياً. ففي 2020، شكل أقل من 2% من السوق العالمية، وهو ما يعادل تقريباً حصة زيت بذرة القطن وجوز الهند.
أما زيت النخيل وزيت فول الصويا فيشكلان معاً 65% من السوق، بينما يمثل زيت دوار الشمس وزيت الكولزا 24% أخرى. كل هذا يعني أن هناك فرصة أمام زيت الزيتون لزيادة حصته في السوق بسهولة. لكن المشكلة هي أنه لا يستطيع ذلك: فالمعروض منه محدود، وأي زيادة في شعبيته ستدفع الأسعار إلى مستويات أعلى بكثير.
وتوقعت المفوضية الأوروبية اليوم الإثنين، استمرار الارتفاع الكبير بأسعار زيت الزيتون في أوروبا لموسم آخر، ما سيجبر المستهلكين على خفض استهلاكهم من السلعة الأساسية
أولاً، العوامل المؤقتة. بعد عامين من المحصول السيئ، كانت المؤسسات التعاونية الزراعية في إسبانيا تعاني من ضائقة مالية فاضطرت إلى بيع محاصيلها في أبكر وقت ممكن، الأمر الذي أدى إلى انهيار السوق. لكن المبيعات ستتراجع لاحقاً، ما سيضع حداً لانخفاض الأسعار.
علاوة على ذلك، فقد استُنزف المخزون العالمي من زيت الزيتون، وسيستغرق الأمر أكثر بكثير من مجرد موسم واحد جيد لإعادة تكوينه. في إسبانيا، انتهى موسم 2023-2024 بمخزون عند حوالي ربع المستوى المعتاد. أما على الصعيد العالمي، تراجع مخزون زيت الزيتون في الموسم الماضي إلى أدنى مستوياته منذ 57 عاماً، ليستقر عند حوالي نصف متوسطه على مدى العقدين الماضيين.
سيتطلب الأمر عدة سنوات من الحصاد الوفير قبل تكوين المخزون الكافي لإعادة الأسعار إلى مستويات ما قبل الأزمة.
ثانياً، العوامل الهيكلية. أصبح زيت الزيتون ضحية لنجاحه. فمع اكتساب النمط الغذائي للبحر المتوسط شعبية على مستوى العالم، تضاعف استهلاك زيت الزيتون خلال الثلاثين عاماً الماضية. ويبدو أن هذا الاتجاه سيستمر، رغم تأثير الأسعار المرتفعة.
في الولايات المتحدة الأميركية، ارتفع الطلب أكثر من 300% خلال العقود الثلاثة الماضية. أو خذ فرنسا مثلاً، بلد الزبدة، حيث ارتفع الطلب 400% منذ عام 1990، واليوم يوازي استهلاكها ما يتناوله الناس في اليونان. وشهدت المملكة المتحدة نمواً مذهلاً، وربما ساعد في ذلك انتقالي من مدريد إلى لندن قبل عقدين من الزمان.
ارتفاع الطلب
منذ عام 1990، ارتفع استهلاك البريطانيين لزيت الزيتون حوالي 1100%. والأمر نفسه في الأسواق الناشئة، إذ يحقق زيت الزيتون تقدماً كبيراً في دول مثل البرازيل. كما يبدو أن الطلب في مراكز الاستهلاك الجديدة أقل تأثراً بالأسعار مقارنة بالمناطق الأساسية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
مع انخفاض المخزون واستمرار الطلب المكبوت، لا يمكن أن تنخفض أسعار زيت الزيتون كثيراً. انتهت الأزمة، لكن سنوات الوفرة تبدو بعيدة جداً. ربما لا تكون النتيجة سيئة: للمرة الأولى منذ فترة طويلة، يبدو أن زارعي الزيتون –الذين طالما كانوا الحلقة الأضعف في سلسلة التوريد– على وشك تحقيق مكاسب جيدة. وإذا كنت من محبي زيت الزيتون، فهذا سبب للاحتفال.