عاد ملف الصيانة في شركة الخطوط التونسية ليطفو من جديد على سطح الجدل العام، بعدما باتت التأخيرات المتكررة في مواعيد الرحلات ظاهرة مألوفة للمسافرين، والسبب يعود إلى النقص الحاد في عدد الطائرات الصالحة للاستغلال. فالشركة لا تستخدم اليوم سوى إحدى عشرة طائرة فقط نحو مختلف الوجهات، في حين تقف سبع طائرات أخرى خارج الخدمة على أرضية مطار قرطاج. ومن بين هذه الطائرات، تبرز الطائرة من نوع A320-214 المسجلة تحت رقم TS-IMV تحت اسم ابن الجزار التي تحولت قصتها إلى مثال حي عن عمق الأزمة التي يعيشها أسطول الناقلة الوطنية ومدى جاهزية هياكلها التقنية للتدخل السريع.
هذه الطائرة كانت تؤمن رحلة العودة من مدينة جدة السعودية بتاريخ 24 نوفمبر 2022 تحت رقم TU713، حين اصطدمت بها سيارة خدمات أرضية على مدرج المطار. لم يسفر الحادث عن إصابات لكنه ألحق أضرارا هيكلية أجبرت الطائرة على الخروج الفوري من الخدمة. وبعد فترة طويلة من الانتظار وصلت الطائرة إلى تونس في 12 جانفي 2023، ليتم إيداعها لدى مصالح Tunisair Technics قصد إصلاحها وإعادتها إلى التحليق في أقرب الآجال، غير أنّ ذلك لم يتحقق إلى اليوم.
ومنذ استلامها في ماي 2013، لم تشهد الطائرة مسارا معقدا مثل هذا، إذ طالت فترة الصيانة على نحو غير مسبوق، ما كشف عن أزمة عميقة في إدارة الأسطول. هذه الحادثة تثير تساؤلات عديدة حول مدى توفر قطع الغيار، وحول كفاءة الموارد البشرية في الصيانة، بل وتدفع البعض إلى الاعتقاد بأن المشكلة أعمق وترتبط بضعف التمويل وتعقيدات البيروقراطية التي تكبّل التدخلات التقنية.
غياب هذه الطائرة عن الخدمة لما يقارب العامين يضاف إلى مشاكل مشابهة طالت أسطولا بأكمله، فانعكس الأمر على برمجة الرحلات، وتسبب في تأخيرات وإلغاءات متكررة، إلى جانب خسائر مالية متراكمة جراء بقاء الطائرات على الأرض دون استغلال. وهو ما يؤكد أن الأزمة تجاوزت حدود الجانب التقني لتصبح أزمة هيكلية شاملة تتطلب إعادة نظر عميقة في إدارة الصيانة وربما عقد شراكات مع شركات عالمية متخصصة في إصلاح الطائرات، إضافة إلى صياغة استراتيجية طويلة المدى لتجديد الأسطول وضمان استدامة العمليات وفق المعايير الدولية.
وبينما تظل هذه الطائرة TS-IMV رمزا لهذه المعضلة المستمرة منذ نوفمبر 2022، يبقى السؤال مطروحا بإلحاح: إلى متى ستظل الخطوط التونسية أسيرة مشاكل الصيانة التي تهدد استمراريتها وتضع سمعتها على المحك؟
فاللى جانبها نجد مجموعة كبيرة من الطائرات تنتظر الاصلاح مع العلم وان عمر الغالبية منها أقل من 25 عامًا (الحد الأدنى لفترة التقاعد لعائلة A320 Max هو 30 عامًا) . وتواجه الخطوط التونسية التقنية مشاكل في التوظيف منذ عام 2024، وقد استعانت الخطوط التونسية مؤخرًا بخدمات سابينا التقنية في المنستير لصيانة بعض طائراتها.
