الرئيسيةأخبار تونسالسجون الإيطالية تتحول إلى مقابر جماعية للمهاجرين التونسيين وسط صمت أوروبي مريب

السجون الإيطالية تتحول إلى مقابر جماعية للمهاجرين التونسيين وسط صمت أوروبي مريب

لقي شاب تونسي يبلغ من العمر ثلاثين عامًا حتفه بعد أن أقدم على الانتحار في سجن “بييترو تشيرولي” بمدينة تراباني الإيطالية، في واقعة مأساوية تسلط الضوء مجددًا على الظروف اللاإنسانية التي يعيشها السجناء داخل هذا السجن وغيره من السجون الإيطالية، وعلى تقاعس السلطات الأوروبية في معالجة الأزمة المتفاقمة في المنظومة العقابية بإيطاليا.

الشاب، الذي كان يقضي عقوبة بالسجن على خلفية قضايا تتعلق بالمخدرات، كان يعاني من اضطرابات نفسية حادة وكان يفترض إيواؤه في مؤسسة علاجية متخصصة، لا في زنزانة مكتظة تفتقر إلى أدنى شروط الرعاية الصحية والنفسية. ورغم محاولة سابقة للانتحار نقل على إثرها إلى المستشفى، أعيد إلى السجن حيث واصل التدهور إلى أن نفذ رغبته الأخيرة .

الحادثة، التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة،(الحالة الثامنة منذ مطلع السنة )دفعت نوابًا في البرلمان الإيطالي إلى توجيه أسئلة كتابية إلى وزير العدل، كارلو نورديو، للمطالبة بتوضيحات حول الوضع الكارثي داخل سجن تراباني، حيث يقبع 524 سجينًا في وقت لا تتجاوز طاقة استيعابه 497، في ظل نقص فادح في عدد أعوان السجون، إذ لا يتجاوز عددهم 260 بدلًا من 417 على الأقل.

اللافت أن هذا السجن سبق أن طاله تحقيق قضائي في قضايا تعذيب وتعنيف مورست ضد عدد من المساجين على يد أعوان، أُوقف بعضهم وأُغلق جناح كامل وُصف بـ”غير القابل للاستخدام”. ورغم مرور أشهر، لم تُرمم الأقسام المغلقة ولا تحركت الوزارة لوضع خطة طوارئ.

ولكن، السؤال الأعمق الذي يطرحه هذا المشهد: إلى متى ستظل منظومة العدالة الإيطالية تحظى بالإفلات من المحاسبة؟ ولماذا تلتزم المؤسسات الأوروبية المختصة بحقوق الإنسان هذا الصمت المريب؟

في الوقت الذي لا تتردد فيه قيادات الاتحاد الأوروبي في تقديم المواعظ والدروس إلى الدول الأخرى بشأن احترام حقوق الإنسان، أو حتى التلويح بالعقوبات، لا تحرّك ساكنًا تجاه ما يجري داخل حدودها من انتهاكات جسيمة، لا تليق بدول تدعي الانتماء إلى منظومة قيم ديمقراطية وإنسانية.

أين لجان حقوق الإنسان الأوروبية؟ أين دور البرلمان الأوروبي، ومحكمة حقوق الإنسان في ستراسبورغ؟ هل حياة شاب تونسي ليست جديرة باهتمامهم؟ أم أن ازدواجية المعايير أصبحت القاعدة الجديدة في التعامل مع حقوق غير الأوروبيين داخل أسوار “القارة العجوز”؟

ما يحدث في سجن تراباني – من اكتظاظ، وانهيار صحي ونفسي، وتجاهل تام لحقوق الإنسان – ليس شأنًا داخليًا إيطاليًا فحسب، بل هو فضيحة أوروبية بامتياز. فالاتحاد الأوروبي مسؤول أيضًا، قانونيًا وأخلاقيًا، عن مراقبة مدى التزام دوله الأعضاء بالاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة المهينة واللاإنسانية.

الأسئلة التي يطرحها الرأي العام التونسي والعربي اليوم لا تتعلق فقط بمحاسبة المسؤولين عن هذا الانتحار، بل أيضًا بمساءلة المؤسسات التي سكتت طويلًا عن تجاوزات سجون إيطاليا وغيرها من دول الشمال.

إلى متى سيُسمح بتحويل المؤسسات العقابية إلى مقابر للأحياء؟ وكيف يمكن تفسير صمت النخب السياسية الأوروبية إزاء هذه الانتهاكات المتكررة؟ وهل ستستمر أرواح المساجين في إيطاليا، لا سيما الأجانب منهم، في السقوط في غياب أي إرادة حقيقية للإصلاح؟

المأساة لا تقتصر على من انتحر، بل تمتد إلى كل من فقد الأمل داخل زنزانة، وإلى مجتمع ينهار فيه المعنى الحقيقي للعدالة، وسط صمت دولي قاتل.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!