عادت بنا الاجواء العامة التي تعيش على وقعها بلادنا هذه الايام الى اجواء الثمانينات من القرن الماضي وتحديدا ربيع وصائفة سنة 1987 حيث هيمن الخوف والتوجس على حياة الناس من سياسيين ورجال اقتصاد والعامة
ومرد ذلك يعود الى غياب أية رؤية واضحة يثق فيها الجميع ويسيرون في نهجها وبات الأمر وكأننا نمر بمرحلة تكسير العظام الكل ضد الكل والكل يريد الكل
ويبدو جليا أن من يتابع حياتنا السياسية من خارج البلاد سيكتشف اننا نعيش حالة من السريالية السياسية فرئيس الحكومة بلا دعم حزبي يذكر ونراه كل يوم يخوض حروبه الصغيرة والكبيرة لوحده فالتصويت على مشروع قانون اصلاح البنك المركزي كاد يسقط في الماء لولا صوتين من اصوات المعارضة لأصبحنا نتحدث عن انتخابات سابقة لاوانها
وقبل يومين وجد رئيس الحكومة نفسه يغرد غارق خارج الغطاء الحزبي الذي يلتف حوله فحين اتهم حزبين بالوقوف وراء احداث جزيرة قرقنة لم يحرك اي مسؤول من الاحزاب الحاكمة ساكنا للدفاع عن وجهة نظر الحكومة
والأخطر من هذا كله فالحكومة نجدها في المقابل عاجزة عن فرض فصل من قانون المالية المتعلق بالضرائب على المداخيل في القطاع الخاص
واذا ما انتقلنا الى قصر قرطاج سنجد الامر لا يختلف كثيرا عما يحدث في القصبة فمشروع المصالحة الاقتصادية مازال يرواح مكانه في باردو رغم اقتناع الاحزاب الحاكمة بوجاهة نظر رئيس الجمهورية وكذلك الامر مع مراجعة قانون المخدرات الذي أصبح نسيا منسيا
تتحرك حكومة الصيد ويتحرك قصر قرطاج على أطراف الاصابع وكأنما صناديق الاقتراع لم تمنح الأحزاب التي تستند اليها تفويضا مطلقا وأغلبية لا جدال فيها
هذا ماحصل مع مشاريع القوانين الصغيرة فما بالك بالاصلاحات الكبرى التي ينتظرها الجميع في الداخل والخارج
وهي اصلاحات تتطلب رباطة جأش تنزع مع المرحلة التي نعيش مرحلة المسؤول الذي يبحث عن شعبية عبر قرارات
ومواقف شعبوية بعيدة بالاف الأميال عن المرحلة التي نصبو للوصول اليها
فالاصلاحات الكبرى التي تلي ثورة شعبية تحتاج الى رجال من نوع اخر رجال لا يبحثون عن النجومية ولا يتخذون القرارات المرتجلة التي يصفق لها جمهور البلاتوهات التلفزية
تونس اليوم تحتاج الى قانون طرقات سياسي ينظم الحياة السياسية والحزبية بلا غموض
فالنظام السياسي اليوم في حاجة ماسة الى مراجعة لضبط العلاقة بين القصرين في القصبة وقرطاج
كما نحتاج الى ضبط النظام الحزبي الذي يحتاج الى شفافية ووضوح والمطلوب فتح ملف التمويل الحزبي ومراجعة قوانينه مما يمكن دافع الضرائب وسلطات المحاسبة من معرفة مصادر التمويل لانه لا يمكن بأية حال من الاحوال بناء ديموقراطية وسط الفساد
فمازلنا الى حد هذا اليوم لا نعرف مصادر مداخيل جميع المتفرغين للعمل السياسي ونعني بذلك المداخيل الخاصة والحزبية
كما نحتاج أيضا لوضع الابجديات اللازمة لفهم الفاعلين في الحياة السياسية في البلاد حكاما ومحكومين لمعنى سلطة الدولة والاتفاق على احترامها والاستعداد لمحاسبة المارقين عليها .
البلاد لم تعد تحتمل هذه الحالة من الغموض والارتباك والفوضى الذي اتى على جميع مناحي الحياة من القمة الى القاعدة لنصبح اول دولة في العالم تمارس اشتراكية الفساد وتعميم الغباء

