الرئيسيةزيتونة وسط الثلج : حكاية الشاف محمود تخرج من تحت الرماد

زيتونة وسط الثلج : حكاية الشاف محمود تخرج من تحت الرماد

على أمتداد 232 صفحة من الحجم المتوسط يفتح أمامك الحبيب الفقيه في كاتبه الذي اختار له عنوان ” زيتونة وسط الثلج ” أبواب تاريخ لم يلجها المؤرخون الا نادرا انها تفاصيل دقيقة حتى انها موغلة في الدقة ورغم انها تحوم حول الحروب وما تحمله في أحشائها من ماس ونكاسات وانتصارات الا ان المسحات الانسانية لم تغب عنها ونحن نرافق البطل الحقيقي للقصة وهو يرافق ضحايا الحرب الأندوشين كما دأبنا على تسميتها وهو يساعد القرويين في تلك المناطق النائية على فلاحة حقولهم وتمريض كل مصاب وهو بزيه العسكري يؤكد في كل مرة انه جاء لاحلال السلام والطمأنينة في قلوب الناس ولكن مجريات الأحداث حولت حلمه الى كابوس بعد ان اصبحت الحرب شبه كونية بدخول الصين والولايات المتحدة الأمريكية على الخط .

ولن يقف الامر عند ذلك الحد فبطل القصة وهو بطل حقيقي سليل مدينة مصدوربجمال الساحلية حين يسقط أسيرا بين أيادي الجيش النازي ليرسل الى معتقل بيرون اين عرض عليه كما عرض على بقية الأجانب الانسحاب من الجيش الفرنسي والانظمام اليهم حتى انهم عرضوا عليه ان يصبح عضوا في وحدات إس إس أو شوتزشتافل ولكن رده كان سلبيا وهو تيتذكر ما قاله الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة الذي دعا الى ضرورة مساندة فرنسا لدحر العدوان النازي .

والقصة التي خطها الحبيب الفقيه اختلط فيها الذاتي بالموضوعي فالبطل ليس الا والده محمود الفقيه او ” الشاف ” كما يحلو للبعض بتسميته على ذلك النحو فالابن كان شاهدا على مراحل هامة من رحلة والده الطويلة المشبعة بالمغامرات والتحديات الذاتية حتى ان قصة والده اعترضته في أهم محطة من حياته وهو يستعد للمشاركة في امتحان لدخول احدى المدارس العليا بفرنسا حين طلب منه ان كان يريد التقدم بصفته فرنسيا او اجنبيا وهي فرصة لا تمنح كل يوم للاجانب ولكن حين طرح السؤال على والده الذي عمل لاكثر من عقدين تحت العلم الفرنسي وخاض حروبه في عدد من بلدان العالم في أوروبا وفي اليمنوفي الخليج وفي أسيا كان رد الوالد لا يخلو من حكمة ودماثة ” اشتغلت بالجيش الفرنسي لمدة 20 عاما ولم افكر للحظة ان احمل جنسية فرنسا ” وهكذا كان قرار الابن بان يتقدم للامتحان بصفته أجنبيا .

ولهذا الخيار أو الموقف له جذورا متأصلة في عائلة الفقيه التي شارك جدها الأول في معركة القرم الولاء للمهمة التي تناط له ولكن الانتماء لتونس لا يتزعزع حتى وان لبس البزة العسكرية الفرنسية لكن كان دائما ما يعلوها الطربوش التونسي أحمر الون الذي سيرافقه في كل حروبة على امتداد السنين الى حين استقلال البلد والانظمام الى الكوكبة الأولى من مؤسسي الحرس الوطني .

فقصة الشاف الفقيه لا تخلو من العبر والدروس اذ انه لم يكن رقما في قائمة طويلة من العساكر القدامى الذين خدموا في صفوف الجيش الفرنسي ايام سنوات الحماية لتونس ولكنها اكبر من ذلك بكثير فهي تروي بطولات لمن ساهموا في تحقيق طرد الاحتلال النازي من فرنسا والتي انتهت انتصار الحلفاء في الحرب العامية الثانية وتحقيق السلام العالمي والذي انتهى ولو بعد سنوات الى الدخول في مرحلة حق الشعوب في تقرير مصائرها ضمن مبدأ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون .

ورغم ذلك كاد بطل ” زيتونة وسط الثلج ” ان يلقى حتفه رميا بالرصاص حينما اقدم على البصق على العلم الفرنسي احتجاجا على مظلمة ولكن الوطنيين من أبناء الثورة التونسية تلقفوه قبل حصول الأسوأ ليختفي عن أنظار الجميع ولن يضهر للعيان الا بعد مرور العاصفة .

زيتونة وسط الثلج ليست بالقصة التي تتركها جانبا بعد التهام صفحاتها وانما هي مشروع للتفكير أو بالأحرى اعادة للتفكير تاريخ تونس الحديث قبل وخلال وبعد الحماية الفرنسية …

زيتونة وسط الثلج انها حكاية فنيق تونسي أخرجها رجال طيبون من تحت الرماد رماد النسيان واللامبلاة .

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!