دأب الآلاف من المتقاعدين الذين قضوا نصف حياتهم في المساهمة في الصناديق الاجتماعية على الوقوف لساعات أمام أبواب البنوك ومكاتب البريد لمعرفة مصائر جراياتهم وهم يضعون أياديهم على قلوبهم حتى لا يتحولان الى سنمار تونسي بفضل السياسات التي تنتهجها الحكومة معهم وهي تعلن في كل مرة ان مصيرهم معلق باصلاح الصناديق الاجتماعية التي تعاني وكأنهم المسؤولون عن ذلك الوضع.
وشهد شهر أفريل الماضي حالة من الاحتقان في صفوف الآلاف من المتقاعدين الذين تقطعت بهم السبل وهم ينتظرون جراية تأتي أو لا تأتي الى ان اطل عليهم الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية عماد التركي ، الذي بشّرهم بانه سيتم صرف أجورهم رغم عجز الصناديق الاجتماعية.
وكرر التركي على مسامعهم في تصريح صحفي أن الصناديق سجلت عجزا في صرف أجور المتقاعدين هذا الشهر بـ35 مليارا صرفتها وزارة المالية، مؤكدا ضرورة إيجاد الحلول اللازمة لأن اللجوء الى المالية العمومية ليس سليما وسيعمق الأزمة المالية والاقتصادية للبلاد.
اما رئيس الحكومة فقد انذرهم جميعا بأن الحكومة ستصل الى وضع ستعجز فيه عن صرف مستحقاتهم التي ادخروها طوال عقود لدى صناديق الدولة ليؤكد « إن الخطر الذي تشهده المنظومة الاجتماعية متأت أساسا من وضعية الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي بلغت حدا غير مقبول من العجز الهيكلي حيث تستوجب كل شهر 100 مليون دينار لتغطية عجزها، مبرزا ضرورة وضع حد لهذا الوضع على اعتبار أن تواصله سيتسبب في عدم القدرة على صرف جرايات المتقاعدين.
ولفت الى أن هذه الصعوبات أثرت على الخدمات التي تقدمها الصناديق للمواطن واثرت على المنظومة الطبية وعلى الصندوق الوطني للتأمين على المرض، الذي أصبح بدوره عاجزا عن الايفاء بمستحقات الأطباء والصيادلة والمستشفيات، ملاحظا أن المشاكل التي تعانيها الصيدلية المركزية تعود في جزء منها إلى عجز الصناديق الاجتماعية.
هذه التصريحات جاءت للضغط على الاطراف الاجتماعية الاخرى وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يطرح نظرة اخرى لحل هذا المأزق وبذلك يتحول المتقاعدون في تونس الى رهينة تتقاذفها امواج الخلافات .
وأول أمس اصدر الاتحاد العام التونسي للشغل بيانا ندد من خلاله ب «سياسة التجويع والتنكيل والجحود التي تمارسها الحكومة على المتقاعدين رغم سنين العطاء والتضحيات التي قدّموها للمجموعة الوطنية، إذ تشهد جراياتهم تأخيرا متكرّرا وغير مبرّر وتسلط عليهم سياسة مماطلة في تمكين المنتفعين منهم قانونيا من الزيادات المستحقّة في جراياتهم ورفض الزيادة في الأجر الأدنى للبقية منذ سنتين ويعانون عجز الصندوق الوطني للتأمين على المرض على تأمين الخدمات السريعة والأساسية لهم في أحيان كثيرة، ويعبّر المكتب التنفيذي الوطني عن تَبنِّيه لكلّ التحرّكات النضالية التي يخوضها المتقاعدون، من أجل الدّفاع عن حقوق المتقاعدين ومكتسباتهم.»
وكان وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي قال الأسبوع الماضي في تصريح صحفي بأن الدولة ملتزمة بضمان جرايات المتقاعدين مؤكدا أن إصلاح منظومة الصناديق الاجتماعية سيتم البت فيه قريبا.
وأعلن الوزير عن توسيع دائرة المنتفعين بالبرنامج الوطني لمساعدة العائلات المعوزة لتشمل كافة المسجلين في قائمات الانتظار ليرتفع العدد الجملي من 250 ألف الى 285 ألف منتفع.
ومن جهة أخرى فقد تم الترفيع في منحة المدرسين المتعاقدين في مجال تعليم الكبار لتعادل مقدار الأجر الأدنى المضمون على مدى 12 شهرا مع التكفل بضمان التغطية الاجتماعية.
وحسب المعهد الوطني للاستهلاك بلغ عدد المتقاعدين من القطاع العام 217978 متقاعد سنة 2015 بزيادة بـ5.7 % عن سنة 2014. من بينهم 78 % ذكورا يتقاضون معدل جراية تقاعد بـ 1013 دينار وفق تقرير للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية. وبلغ عدد المتقاعدين من القطاع الخاص سنة 2014 باعتبارها آخر الأرقام حوالي 638 ألف متقاعد من بينهم 250 ألف ينتمون لنظام الأجراء غير الفلاحيين ويتقاضون معدل جراية شهرية تقدر بــ 420 دينار.

