ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن حكومتي مصر وتونس تتقاعسان عن مكافحة الفساد الذي ساعد بشكل كبير في إشعال ثورات الربيع العربي.
وأوضحت الصحيفة في مقالٍ نشرته ” أن تونس تحاول تبني مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، فيما أجرت مصر تعديلات على قانون الكسب غير المشروع الشهر الماضي، بما يسمح للمسؤولين ورجال الأعمال – المتهمين بارتكاب ممارسات فاسدة – بأن يفلتوا من العقاب.
ويرى المراقبون أن القوانين الجديدة تبرز قدرة النخب المتحالفة مع الأنظمة القديمة على البقاء، وتؤكد صعوبة التصدي للفساد في كل من مصر وتونس.
وجاء في المقال: ” دفع الغضب حيال القادة الفاسدين وحاشيتهم اﻻقتصادية آلاف المواطنين للنزول إلى الشوارع في تونس ومصر عام 2011، وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالمستبدين اللذين بقيا في الحكم لمدة طويلة زين العابدين بن علي وحسني مبارك.ومنذ ذلك الحين، تباينت الثورتان بحدة: فقد أصبحت تونس الآن نموذجا للتحول الديمقراطي الناجح، فيما ينظر الكثيرون إلى مصر على أنها عادت إلى السلطوية.”
ويتابع مقال الصحيفة: “وفي غضون ذلك، تتقاعس الحكومتان عن جهود معاقبة الفساد الذي ساعد بشكل كبير في إشعال شرارة الثورات العربية.بموجب قانون مقترح جديد بشأن المصالحة الاقتصادية في تونس، وإجراء تعديلات على قانون الكسب غير المشروع في مصر، يمكن للمسؤولين ورجال الأعمال – المتهمين بارتكاب ممارسات فاسدة – بأن يفلتوا من العقاب إذا ردّوا ما اكتسبوه من أموال بطرق غير مشروعة.”
ويرى المراقبون أن القوانين الجديدة تبرز قدرة النخب المتحالفة مع النظام القديم على البقاء، وصعوبة التصدي للفساد.
ففي تونس، يحظى القانون المقترح بتأييد الباجي قائد السبسي، الرئيس الحالي ومؤسس الحزب الرئيسي في الائتلاف الحاكم “نداء تونس”، والذي كان نفسه وزيرا للداخلية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
روبن كارانزا، من المركز الدولي للعدالة الانتقالية ومقره نيويورك، من جانبه يقول: “في مصر، لم تكن هناك إرادة سياسية لتقديم مرتكبي الفساد السابقين إلى العدالة، وفي تونس، ربما تشعر الأحزاب السياسية في الائتلاف الحاكم بأنها بحاجة إلى دعم رجال الأعمال الممنوعين من السفر أو الذين تجمدت أموالهم”.
ويجادل المسؤولون في تونس والقاهرة بأن التسوية هي أسرع طريق لاستعادة الأصول المسروقة، علاوة على أنها ترسل إشارة طمأنة لرجال الأعمال في وقت تشتد فيه الحاجة للاستثمار.غير أن النقاد يشددون على أن التشريعات في الدولتين تنطبق على جرائم الفساد السابقة أو المستقبلية.
وحتى قبل اعتماد التغييرات بقانون الكسب غير المشروع في مصر الشهر الماضي، قضت المحاكم بإطلاق سراح كل مسؤولي عهد مبارك تقريبا الذين كانوا يحاكمون لارتكابهم مخالفات، سواء أكانت فسادا أو قتل متظاهرين.
وتتيح التعديلات إمكانية التسوية والإفلات من العقاب في أي قضية فساد، حتى أنها لا تفرض غرامات على هؤلاء الذين يوافقون على إعادة الأصول التي حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة أثناء التحقيق معهم، لكن إذا قرروا التسوية أثناء المحاكمة أو بعد صدور الحكم، ينطبق فرض غرامات عليهم تصل إلى ضعف قيمة الأصول.
تعليقا على ذلك، قال وزير العدل، أحمد الزند، إن التغييرات تؤكد جدية مصر في استعادة الأصول المسروقة، نظرا لأن العديد من رجال الأعمال المتهمين بالفساد يعيشون في الخارج ويخشون القبوع في السجن حال عودتهم.
لكن أسامة دياب، باحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، قال: “هذا التساهل يرسل رسالة مفادها بأنك إن سرقت مالا ليس ملكا لك، فبإمكانك الاحتفاظ به في حال عدم القبض عليك، وإن حصل وألقت السلطات القبض عليك، فبإمكانك فقط إعادة ما تستطيع السلطات إثبات أنك سرقته”.
وعلى الرغم من اعتبار دياب القبض على وزير الزراعة صلاح هلال، المتهم بتلقي رشوة، خطوة “إيجابية”، إلا أنها لا تزال مؤشرا على “العدالة الانتقائية”، وأن سلطة محاكمة الفساد “تظل اختيارية في أيدي السلطة التنفيذية”.
ومع ذلك، يعتقد بعض المعلقين أن الانتقاد الأخير للحكومة قد يكون لعب دورا في إعلان استقالة حكومة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، أمس السبت، وتكليف وزير البترول شريف إسماعيل بتشكيل حكومة جديدة.
أما في تونس، التي يتحالف الحزب الرئيسي في حكومتها “نداء مصر” مع النظام القديم والليبراليين واليساريين، أثار مشروع قانون المصالحة الاقتصادية احتجاجات في الشوارع، واتهامات بأنه يفتح الباب أمام عودة نخب عهد بن علي.
وفرّقت قوات الشرطة الاحتجاجات المناهضة للقانون الجديد بالقوة، على الأقل في ثلاث مدن، كما أعربت الأحزاب المعارضة، والنقابات التجارية، ولجنة الحقيقة والكرامة – التي تشكلت بموجب الدستور للكشف عن الانتهاكات، وتسعى لطلب الإنصاف والتعويض للضحايا – عن غضبها من القانون.
ويقول المعارضون إن مشروع القانون يتستر على مساوئ رجال أعمال عهد بن علي، الذين دعموا حزب نداء تونس في حملته الانتخابية، ويقوض عمل لجنة الحقيقة والكرامة.
وفي ظل مشروع القانون، تتوقف الملاحقات القضائية بحق المسؤولين ورجال الأعمال السابقين إذا كشفوا عن الثروات التي سرقوها للجنة المصالحة، ويكون المخطئون عرضة للغرامات، وبعد ذلك يتم توزيع أموالهم المجمدة على المناطق الفقيرة، ولا يُسمح بالطعن على قرارات اللجنة.
ودافع معز الجودي، رئيس الجمعية التونسية للحوكمة، عن مشروع القانون، قائلا إنه “يعجّل” بتسوية النزاعات، ويحسّن المناخ للأعمال التجارية، فيما قد تستغرق لجنة الحقيقة والكرامة ما يصل إلى خمس سنوات للوصول إلى نفس النتائج.
وقال العياشي الهمامي، محام تونسي: “هذا المشروع فاضح، فهو سيدفع المعارضة للنزول إلى الشوارع، لأن أغلبية البرلمان سوف تدعم نداء تونس في القانون، ونحن ننتظر عودة طلاب الجامعات خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وسيكون الخريق المقبل ساخنا وحماسيا”.

