الرئيسيةأخبار تونسفرنسا : 900 ألف تونسي يحملون الجنسية المزدوجة

فرنسا : 900 ألف تونسي يحملون الجنسية المزدوجة

خلال مداخلة له على هامش الندوة السنوية التي نظمتها المديرية العامة للتعاون الدولي للأمن (DCIS) يوم 26 أوت 2025 عرض العقيد ديدييه بلونيان، الملحق الأمني الداخلي بسفارة فرنسا في تونس تشخيصًا شاملًا لظاهرة الهجرة في تونس مستعرضًا ملامح التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف لمجابهة هذا الملف الشائك.

ما قدّمه بلونيان لا يقتصر على الأرقام والإحصائيات، بل يعكس رؤية فرنسية – وأوروبية بالضرورة – لطبيعة العلاقة مع تونس في مواجهة الضغوط المتزايدة الناجمة عن موجات النزوح من أفريقيا جنوب الصحراء ومن الداخل التونسي نفسه.

ديدييه بلونيان أكد أن العلاقة بين البلدين ليست فقط في بعدها الأمني، بل لها جذور اجتماعية وثقافية عميقة. فعدد التونسيين في فرنسا يتراوح بين 800 ألف ومليون و200 ألف، أي ما يعادل واحدًا من كل عشرة تونسيين. من بينهم 300 ألف يحملون الجنسية التونسية فقط، بينما البقية يتمتعون بازدواجية الجنسية اي نحو 900 ألف.

هذه الأرقام تبرز حجم الارتباط البشري بين تونس وفرنسا، وتفسر إصرار باريس على صياغة مقاربة “تنمية تضامنية” تهدف إلى تثبيت الكفاءات داخل تونس، خصوصًا في قطاعات حيوية كالصحة.

من الملفات التي تحظى بمتابعة مشتركة، ملف العودة الطوعية للتونسيين المقيمين بصفة غير نظامية في فرنسا. هذه العودة غالبًا ما تتم برعاية المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج (OFII)، الذي يمول جزئيًا رحلة العودة ويساهم في إدماج الفرد داخل تونس عبر برامج اقتصادية صغيرة.

الملحق الأمني شدّد على أن التعاون بين تونس وفرنسا في مجال الهجرة يستند إلى اتفاق 2008 حول الإدارة المشتركة للهجرة والتنمية التضامنية. هذا الاتفاق يوفّر إطارًا قانونيًا وسياسيًا يتيح انعقاد لجان قيادة مشتركة كل 18 شهرًا. آخر اجتماع انعقد في باريس في مارس 2024 وأسفر عن إنشاء لجنتين فرعيتين: إحداهما للهجرة والأخرى للتنمية.

فرنسا خصّصت منذ 2023 ما قدره 27,8 مليون يورو لدعم مشاريع تونسية مرتبطة بالهجرة، بينها تحديث نظام البصمات، تعزيز قدرات الحرس الوطني البحري، وتمويل برامج إدماج وإعادة إدماج للمهاجرين العائدين. كما تدعم باريس أنشطة المنظمة الدولية للهجرة (OIM) في تونس.

إلى جانب التمويل الفرنسي، يبرز دور الاتحاد الأوروبي الذي رصد أكثر من 51 مليون يورو لمشاريع مراقبة الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية. هذه المشاريع تُنفذ عبر شركة Civipol الفرنسية، ما يعكس ثقة أوروبية – وتونسية – في الخبرة الفرنسية.

التعاون لا يقتصر على الجانب السياسي أو المالي. فهناك تعاون عملياتي مباشر يشمل تبادل المعلومات الأمنية في قضايا التهريب والهجرة غير النظامية، حيث يستقبل مكتب الأمن الداخلي بتونس نحو 50 طلبًا سنويًا من نظيره الفرنسي، يتم الرد على 40% منها.

أما التعاون التقني فيتجسد عبر الدورات التدريبية المشتركة. على سبيل المثال، تتقاسم الجندرمة البحرية الفرنسية خبراتها مع الحرس الوطني البحري التونسي، كما يشارك عناصر تونسيون في دورات داخل مدارس الأمن الفرنسية. في 2024، خصصت 20% من برامج التدريب للتعاون في المجال الهجري، واستفاد منها 36 عنصرًا تونسيًا.


ثالثًا: التحديات الأمنية والإنسانية

ضغوط على قدرات الاستقبال

رغم تراجع أعداد المهاجرين المغادرين من تونس نحو أوروبا، فإن الميزان يبقى “إيجابيًا” لصالح الوافدين. أي أنّ عدد الداخلين إلى تونس يفوق عدد المغادرين، ما يضع السلطات أمام معضلة توفير قدرات إيواء ورعاية ملائمة، في ظل بنية تحتية محدودة ودعم دولي غير كافٍ.

أرواح مهدورة في المتوسط

الهجرة غير النظامية ليست مجرد أرقام، بل قضية إنسانية في المقام الأول. عام 2024، سُجّلت 2,300 حالة وفاة في البحر الأبيض المتوسط، ما يجعل “المسار الأوسط” الأكثر فتكًا في العالم. بلونيان اعتبر أنّ “الرهان الأساسي يبقى حماية الأرواح وضمان احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية”.

جبهات متعددة للمواجهة

الملحق الأمني لفت إلى أن مواجهة الهجرة غير النظامية تتوزع على ثلاثة مستويات:

  • البحر: عبر التنسيق بين الحرس الوطني البحري والجيش البحري، مع دعم أوروبي لتطوير قدرات “البحث والإنقاذ”.
  • البر: عبر دوريات مشتركة بين قوات الأمن الداخلي والجيش، باستخدام تقنيات متطورة كالرادارات والطائرات المسيّرة.
  • المطارات: حيث يتولى شرطة الحدود التونسية مهام مشابهة لنظيراتها الأوروبية في التدقيق والمراقبة.

رابعًا: بعد اجتماعي وديمغرافي

التونسيون في فرنسا

العلاقة بين البلدين ليست فقط في بعدها الأمني، بل لها جذور اجتماعية وثقافية عميقة. فعدد التونسيين في فرنسا يتراوح بين 800 ألف ومليون و200 ألف، أي ما يعادل واحدًا من كل عشرة تونسيين. من بينهم 300 ألف يحملون الجنسية التونسية فقط، بينما البقية يتمتعون بازدواجية الجنسية.

هذه الأرقام تبرز حجم الارتباط البشري بين تونس وفرنسا، وتفسر إصرار باريس على صياغة مقاربة “تنمية تضامنية” تهدف إلى تثبيت الكفاءات داخل تونس، خصوصًا في قطاعات حيوية كالصحة.

الهجرة الدائرية والعودة الطوعية

من الملفات التي تحظى بمتابعة مشتركة، ملف العودة الطوعية للتونسيين المقيمين بصفة غير نظامية في فرنسا. هذه العودة غالبًا ما تتم برعاية المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج (OFII)، الذي يمول جزئيًا رحلة العودة ويساهم في إدماج الفرد داخل تونس عبر برامج اقتصادية صغيرة.


خامسًا: دور الملحق الأمني الداخلي

بلونيان قدّم نفسه باعتباره “ممثل وزارة الداخلية الفرنسية في تونس”، إذ يضطلع بمهام تتجاوز التنسيق الأمني لتشمل إعداد تقارير دورية لوزير الداخلية الفرنسي حول الوضع في تونس والمنطقة. كما يشارك في الاجتماعات رفيعة المستوى، مثل اللقاء الذي جمع وزيري الداخلية التونسي والفرنسي بباريس في جويلية 2025.

إلى جانب ذلك، يتعاون مع شبكة الملحقين الأمنيين في دول الجوار (ليبيا، الجزائر، إيطاليا) لتبادل المعطيات حول ديناميات الهجرة. كما يعمل جنبًا إلى جنب مع ممثلي المؤسسات الفرنسية الأخرى في تونس مثل الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وإكسبيرتيز فرانس، إضافة إلى منظمات دولية مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (HCR) والمنظمة الدولية للهجرة (OIM).


خاتمة: شراكة قائمة على الضرورة

من خلال مداخلة الكولونيل ديدييه بلونيان، تتضح حقيقة أنّ ملف الهجرة يفرض نفسه كأحد أهم محاور العلاقة بين تونس وفرنسا. هذه العلاقة قائمة على توازن دقيق بين البعد الأمني والسياسي من جهة، والبعد الإنساني والاجتماعي من جهة أخرى.

فرنسا ترى في تونس شريكًا أساسيًا لضبط الحدود الجنوبية للمتوسط، فيما تجد تونس نفسها مطالبة بالتوفيق بين التزاماتها الدولية وحاجاتها الداخلية، في ظل اقتصاد هش وضغوط اجتماعية متزايدة.

الرهان الأبرز في المستقبل سيكون القدرة على تحويل هذا التعاون الأمني إلى شراكة تنموية حقيقية، تقلّص من دوافع الهجرة وتفتح آفاقًا للشباب التونسي والأفريقي، بدل أن يظل المتوسط مقبرة مفتوحة لأحلامهم.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!