ترى الباحثة والمتخصصة في قضايا العالم الاسلامي سارة فوير في تقرير نشره نشره معهد واشنطن: ”
بالنسبة لواشنطن، ستوفر الانتخابات في تونس مؤشراً مفيداً عن توجهات السياسة الإسلامية في العالم العربي “ما بعد الربيع العربي”. وعلى وجه التحديد، ستُظهر النتائج القوة النسبية للمتنافسين الرئيسيين – “النهضة” و”نداء تونس” – بعد أربع سنوات تقريباً من الانتخابات الوطنية التي أوصلتهم إلى مراكز مهيمنة في المجلس التشريعي، وقبل عام واحد فقط من الجولة المقبلة من الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وقد استثمر حزب “النهضة” بشكل خاص في توسيع قاعدة دعمه منذ عام 2014. ففضلاً عن دخوله الائتلاف بحزب علماني رائد، رسّخ وجوده في جميع أنحاء المناطق المحلية، متخليا عن تسمية “الإسلام السياسي” لصالح “الديمقراطية الإسلامية”، حيث بدأ يفصل بين أنشطته الدينية والسياسية، ويتجنب الاستشهاد الصريح بمراجع دينية في خطاباته العلنية.
وربما انطلاقاً من الرغبة في تجنّب مصير «الإخوان المسلمين» في مصر، كان العديد من هذه الخطوات موضع خلاف حاد داخل الحزب، ووفقاً لبعض التقارير، كلّف ذلك “حركة النهضة” خسارة الدعم في أوساط بعض الناشطين الأصغر سناً المحبطين بسبب ما يعتبرونه طمساً للهوية الإسلامية للحركة والتزامها بالأهداف الأصلية لانتفاضة 2011.
وإلى المدى الذي تزكّي فيه الانتخابات الجناح العملي لـ”حركة النهضة” أو تقوّضه، من المرجّح أن تؤثّر على المدى القريب على الإستراتيجية السياسية لأحد الأحزاب الإسلامية القليلة في المنطقة التي لا تزال في الحكومة.
كما قد تمثّل الانتخابات المحلية الناجحة خطوة هامة أخرى نحو انتقال تونس إلى الديمقراطية – وهي خطوة يجب أن ترحب بها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب علناً. فقد سجلت البلاد العديد من الإنجازات الهامة خلال السنوات الخمس الماضية، من بينها إنشاء مؤسسات وطنية ذات تمثيل أوسع نطاقاً وأداء جدي نسبياً على غرار البرلمان، إلى جانب تحسينات كبيرة في إدارة التهديدات الأمنية من البلدان المجاورة وضمن حدودها الخاصة.
إلا أن المكاسب السياسية والأمنية لم يقابلها تقدّم في المجال الاقتصادي، حيث أدى التضخم المرتفع والبطالة المستمرة وانخفاض العملة المذهل على مدى العامين الماضيين إلى جعل الكثير من التونسيين أسوأ حالاً مما كانوا عليه قبل الإطاحة ببن علي.
وتشتد حدة هذه المشاكل على نحو خاص في الداخل، حيث انطلقت انتفاضة عام 2011 وحيث اندلعت التظاهرات منذ ذلك الحين على أساس سنوي تقريباً احتجاجاً على نقص الوظائف، وتباطؤ التقدّم في تطوير البنية التحتية، والإهمال العام من قبل المشرعين في تونس العاصمة.
وفي النهاية، فإن التأثير الملموس للأصوات سيعتمد إلى حد كبير على الصلاحيات الممنوحة إلى الهيئات المنتخبة. وإلى المدى الذي ترسي فيه الانتخابات أسس الآليات المحلية للحوكمة والمساءلة، قد تسفر أيضاً عن تحسينات للمجتمعات المهمشة، مما يساعد بالتالي على استقرار جيوب الاضطرابات.
يجب على واشنطن أن تُطَمْئِن حلفائها بأنها تنوي الحفاظ على دورها كشريك في هذه العملية. ويمكنها القيام بذلك من خلال إعادة توجيه الجزء الأكبر من مساعدتها في مجال الحوكمة بعيداً عن إعداد حزب سياسي على الصعيد الوطني وباتجاه بناء القدرات مع المجالس المحلية، إضافةً إلى توفير برامج تسهّل التنسيق بين البلديات والوزارات ذات الصلة في تونس العاصمة.
وفي هذا الصدد، فإن اقتراح إدارة ترامب الأخير الرامي إلى خفض المساعدة إلى تونس من 180 إلى 85 مليون دولار يستحق إعادة النظر.

