تشهد منطقة البحيرة بالعاصمة تونس، أزمة متفاقمة في ما يتعلق بمواقف السيارات، إذ يواجه المواطنون ازدواجية نظام فرض الغرامات، بين أعطال أجهزة الدفع وانتشار ما يُعرف بـ”الصابو” الذي يثبّت على عجلات السيارات المخالفة.
أحد المراقبين الميدانيين أفاد بأن أجهزة الدفع معطلة على بعد 40 متراً من بعضها البعض، ما يجعل دفع رسوم موقف السيارة مستحيلاً، لكنه لا يمنع مرور سيارات المراقبة وتثبيت السابوت على السيارات خلال دقائق قليلة، حتى إذا اقتصر الوقوف على نصف ساعة. مواطنون أكدوا أن هذه الأعطال قد تستمر أسابيع أو أشهر دون إصلاح، بينما تُفرض الغرامات بشكل صارم وفوري.
شهادات متكررة من مستخدمي المنطقة تشير إلى ممارسات غير عادلة وغير شفافة، إذ في حالات عدة لم تكن هناك إشارات واضحة تحدد أماكن الوقوف المدفوع أو المحظور، مثل قيام أصحاب بعض المحلات بتغطية الأرصفة بسجاد أو عشب اصطناعي، ما يحجب علامات المرور، ومع ذلك تُفرض الغرامات. وفي حالة أخرى، اضطر أحد المواطنين للسير لمسافة كيلومترين لدفع غرامة الصابو رغم محاولته توضيح وجود خلل في إشارات المواقف.
الخبراء والمواطنون وصفوا الوضع بأنه رِقابة آلية مربحة على حساب المواطن، مشيرين إلى أن الفساد والامبالاة قد تكونان متورطتين في استمرارية هذه الممارسات، حيث يُترك للسائق دفع الغرامة في وقت تتقاعس فيه الجهات المختصة عن الرقابة الحقيقية على تنفيذ العقود مع الشركات المكلفة بإدارة المواقف.
وتؤكد هذه الحالات أن غياب المراقبة الجدية وتشغيل القطاع الخاص دون متابعة صارمة يشجع على ما يُمكن وصفه بـ”الابتزاز المؤسسي”، حيث يدرّ الصابو أرباحاً أكثر من أجهزة الدفع، ما يجعل المواطنين ضحايا ممارسة شبه منظمة للضغط المالي، فيما تتحمل الإدارة العامة للبلدية مسؤولية عدم تطبيق معايير واضحة وعادلة لإدارة المواقف.
المواطنون والمراقبون الميدانيون يطالبون بـ إصلاح عاجل للهوارداتور، إشارات واضحة، وتشديد الرقابة على الشركات المتعاقدة مع البلدية، لتفادي استمرار ما وصفوه بـ”الفوضى والرقابة الظالمة” التي تضر بالمواطن العادي وتصب في مصلحة أرباح غير مشروعة.
واليكم شهادة السيد فتحي الهويدي وهو وزير سابق كيف عاين هذا التلاعب بنفسه وكان ضحية له ” في منطقة البحيرة بالعاصمة صباح يوم السبت 13 ديسمبر 2025 عند الساعة 11:30، شهدت تجربة مثيرة للجدل في شارع فيكتوريا بالقرب من إقامة فلامنغو ومساحة ألميا. حيث وجد جهازين للدفع على بعد نحو أربعين متراً من بعضهما البعض، كلاهما متعطل. حاول المواطن دفع رسوم موقف سيارته لمدة 30 دقيقة، لكن الجهازين ابتلعا عملتين دون إصدار أي تذكرة. في الوقت نفسه، شهدت سيارته مرور سيارة مراقبة مزودة بالصابو كل 5 إلى 10 دقائق، في عملية وصفها المواطن بأنها “مطاردة لا ترحم” لكل سيارة مركونة بدون تذكرة، إذ يمكن للسيارات المزودة بالصابو فرض غرامة تصل إلى 30 ديناراً مقابل وقوف مدته خمس دقائق فقط. المستخدمون المحليون أكدوا أن أعطال أجهزة الدفع قد تستمر أسابيع أو أشهر دون إصلاح، بينما تكون سيارات الصابو مستمرة في فرض الغرامات. وخلص الهويدي إلى التساؤل ما بين الابتزاز والاحتيال، مع تحصيلهما بطريقة قانونية.
وفي جويلية الماضي دعت المنظمة التونسية لارشاد المستهلك في بلاغ إلى إيقاف فوري لكل لزمات رفع السيارات ” الشنقال ” وتثبيت العجلات ” الصابو” المخالفة للقانون إلى حين مراجعتها وتدقيق شروطها.
ويأتي هذا البلاغ في ظل ما تشهده بعض البلديات وعلى رأسها بلدية تونس من بعض التجاوزات ومخالفة للقانون في تنفيذ لزمات رفع السيارات (الشنقال) وتثبيت العجلات (الصابو)، بما يشكّل مساسًا مباشرًا بحقوق المواطنين المكفولة دستورًا، وانتهاكًا صريحًا للإطار القانوني المنظّم لهذه الخدمات وفق نص البلاغ.
وشددت المنظمة على ضرورة مراجعة كراسات الشروط البلدية بما يضمن التنصيص الصريح بطلان أي تدخل خارج إطار وجوبية حضور عون الامن وهي الجهة الوحيدة التي لها صلاحية تقدير المخالفات وتنفيذ الإجراءات القانونية المتعلقة بها.
كما دعت إلى إحداث آلية رسمية لقبول التشكيات المتعلّقة بالتجاوزات، تكون مرفقة وجوبًا بنسخة من وصل الخلاص لمعلوم الرفع أو التكبيل، على أن يتضمّن هذا الوصل رقم محضر المعاينة المحرّر من قبل عون الأمن، بما يضمن سلامة الإجراء. وتعتمد البلدية نسخة منه، بما يتضمن من ملاحظات أو تبليغات أو تشكيات من طرف المستهلك كسند رسمي لاتخاذ ما يجب من إجراءات رقابية أو تأديبية عند الاقتضاء، وذلك في إطار المتابعة الرقابية للبلدية ومدى التقيّد بأحكام كراس الشروط وبالإجراءات القانونية المنظمة لذلك.
ونوهت المنظمة إلى ضرورة إحداث آلية فورية لجبر الأضرار والتعويض، تُلزم شركات التأمين المتعاقد معها بضمان حقوق المتضررين من عملية الرفع.
ودعت إلى اعتماد بدائل ذكية وعصرية لتنظيم الوقوف والتجاوزات المرورية، من خلال اعتماد تطبيقات هاتفية، رسائل تنبيه إلكترونية ونظم مراقبة رقمية بما يعزز الوقاية ويُرسّخ مبدأ العدالة الإدارية والشفافية.
وأكدت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، أنّ احترام القانون هو السبيل الوحيد لضمان حقوق الجميع، وحملت كل الأطراف المتدخلة، إدارية أو متعاقدة، كامل المسؤولية الإدارية والمدنية عمّا ترتّب أو قد يترتّب عن هذه التجاوزات من أضرار مادية ومعنوية بحق المستهلك .

