الرئيسيةندوة دولية اليوم للتّرويج للشراكة بين القطاعين العام والخاص: مخاوف مشروعة من...

ندوة دولية اليوم للتّرويج للشراكة بين القطاعين العام والخاص: مخاوف مشروعة من الإجهاز على الدولة

تحتضن تونس اليوم 18 سبتمبر 2018 ندوة دولية حول الشراكة بين القطاعين العام والخاص بتنظيم من وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي بالتعاون مع الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص والبنك الدولي والبنك الأوروبي للإنشاء والاعمار.
واستنادا للبلاغ الصادر عن الجهة المنظمة ستشهد هذه الندوة عرض مشاريع على كبار المستثمرين والبنوك والمؤسسات المالية الدولية والوطنية في صيغة جذاذات فنية.
وقد حرص البلاغ على توضيح ذلك في إشارة منه الى الانتقادات التي وجهت للمنتدى الدولي للاستثمار «تونس 2020» وفضيحة حقل النفط حلق المنزل، ليوضح مرة أخرى أنها مشاريع مهيكلة ومفصلة وجاهزة للتمويل والدخول في شراكة مع القطاع الخاص.
وتعتبر هذه الندوة أحد إنجازات برنامج الإصلاحات الكبرى لحكومة الشاهد وتندرج في سياق مشاريع القوانين التي صادق عليها مجلس نواب الشعب المنتخب من قبل الشعب التونسي في سنة 2014 نذكر منها بالخصوص قانون المنافسة، وقانون الاستثمار، والقانون الداخلي للبنك المركزي، وتنقيح مجلة المحروقات، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والخطة الوطنية لدفع التصدير المنبثقة عن الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للتصدير الذي انعقد اجتماعه الأول في 14 جانفي 2018 ، لتشكل كلها تمهيدا لتكريس تحرير القطاعات – بما يعني تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي لفائدة القطاع الخاص الوطني وخاصة الأجنبي – التي يشملها مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق « الأليكا» وهي الفلاحة والخدمات والاستثمار والصفقات العمومية، وحقوق الملكية الفكرية.
فبعد انتخابات سنة 2014 وضعت حكومة الحبيب الصيد الوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي للتنمية 2016 – 2020 التي تقوم على اعتبار اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي العمود الفقري للخيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لهذه الفترة، لتنخرط بلادنا في مسار مراجعة ترسانة القوانين في اتجاه تطابقها من جهة ، مع شروط صندوق النقد الدولي المنصوص عليها في رسالة النوايا الموقعة من قبل محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري ووزير المالية سليم شاكر في ماي 2016 والموجهة الى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قرض « تسهيل الصندوق الممدد» بقيمة 2.9 مليار دولار، ومن جهة أخرى، مع ما نص عليه القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي حول العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتونس بتاريخ 14 سبتمبر 2016 ويضم 69 توصية.
وتندرج كل هذه القوانين الجديدة بما في ذلك قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في إطار إرساء متطلبات دخول مشروع اتفاقية التبادل الحر حيز التنفيذ بما يكشف عن أن المفاوضات الجارية هي شكلية وصورية باعتبار أن الإطار القانوني لتنفيذها قد مر عبر مجلس نواب الشعب وتمت المصادقة عليه بطريقة منعزلة عن الإطار العام لاتفاقية التبادل الحر.
وكما روّجت له تحت قبة البرلمان وبمزاياه، واصلت حكومة الشاهد يوم الجمعة الماضي 14 سبتمبر 2018 على هامش تقديم توجهات مشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية لسنة 2019، التهليل والتطبيل لآلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتقديمها كحلول لتمويل المشاريع العمومية في ظل شح موارد ميزانية الدولة وتفاقم عجز الميزانية حيث التزمت حكومة الشاهد تجاه صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي بالتقليص فيه الى حدود 3.9 بالمائة في سنة 2019 على أساس نجاحها هذه السنة للسيطرة عليه في حدود 4.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
كما تدعي الحكومة أن من مزايا آلية الشراكة، وفي الحقيقة الادعاء ليس للحكومة فهي تنفذ ما تدعيه الجهات المصممة لمثل هذه القوانين وهي صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، الجودة في إدارة الأموال العمومية والشفافية والسرعة والتحكم في كلفة الإنجاز وتقاسم المخاطر بين القطاعين.
وتواصل الحكومة التنويه بهذه الالية التي تتخلى الدولة بمقتضاها عن كل سلسلة انجاز مشروع عمومي لفائدة القطاع الخاص سواء كان وطنيا أو أجنبيا، للادعاء بأنها، أي الآلية، تمكن من الاستفادة من القدرات الابتكارية والتجديدية للقطاع الخاص لتحسين جودة الخدمات المسداة للمواطن، وذلك في تجن صريح وفظيع لقدرات وكفاءات القطاع العمومي الوطني التي ضحت المجموعة الوطنية لتمويل تعليمه.
ولئن أراد البلاغ الصادر عن الجهة المنظمة للندوة عند توضيحه لصيغة عرض المشاريع بأنها مشاريع مهيكلة ومفصلة وجاهزة للتمويل والدخول في شراكة مع القطاع الخاص، الاعلاء من شأن القدرات التنظيمية للجهة المنظمة ومدى احترامها للمعايير التي هي في حقيقة الأمر دولية ويجب أن تخضع لها المشاريع التي ستنجز في اطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فانه في حقيقة الأمر لم يخرج عما جاء في القانون المتعلق بالتعريف بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتي تعتبره اطارا عاما لتحديد نظام تنفيذ الشراكة وطرق مراقبتها الى جانب تحديد النظام القانوني للممتلكات المتعلقة بها.
ولئن يبقى مثل هذا التعريف مبهما وغير واضح فإن الرجوع الى التعريف العام لعقود الشراكة من شأنه أن يرفع الستار عن المغالطات ويكشف حقيقة هذه الشراكة التي هي في نهاية المطاف آلية لابتلاع الدولة والقضاء على استقلالية القرار وفتح المجال، في إطار القانون، أمام المستثمر الأجنبي والشركات العالمية لإحكام قبضتها على الاقتصاد الوطني ومفاصل الحكم.
فعقود الشراكة هي عقود إدارية يتحول بمقتضاها مهام تصور وبناء واستغلال والتصرف وتمويل المشاريع العمومية لفائدة جهة عمومية على المدى الطويل للقطاع الخاص وتمكن الجهة العمومية المعنية التمديد في دفع كلفة المشروع.
بعبارة أخرى، تم بعث هذه الآلية لأهداف تقنية مرتبطة بإيجاد طريقة تمويل للمشاريع العمومية تخفف من اللجوء الى الاقتراض الداخلي أو الخارجي وتقلص في نفس الوقت من عجز ميزانية الدولة، كما أنه لا تخلو هذه الالية من خلفية إيديولوجية ليبرالية.
فعوض البحث عن قروض لتمويل مشاريعها واحتساب هذا القرض كدين عمومي يثقل ميزانية الدولة ويجعلها تحت ضغط الدائنين أو اتفاقية ماستريخت بالنسبة للاتحاد الأوروبي التي فرضت على الدول الأعضاء سقف 3 بالمائة بالنسبة لعجز ميزانية الدولة و60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للدين العمومي، تلجأ الدولة الى الشراكة مع القطاع الخاص الذي يتولى، عوض الحكومة التي يقتصر دورها في هذا الاطار على طبيعة المشروع، كل المهام المنصوص عليها في التعريف المتعلق بعقود الشراكة والمتمثلة في القيام بتصور وبناء واستغلال وتمويل المشروع العمومي.
وبعبارة أخرى يخرج المشروع العمومي من نطاق السلط العمومية الى القطاع الخاص الذي يوفر التمويل وذلك حسب الهندسة المالية التي تضمن طبعا مصالحه دون مراعاة الكلفة ولا نسبة الفائدة، فكل ذلك ستدفعه الدولة في صيغة تسوغ أي كراء سنوي يحتسب في نفقات التصرف وليس في نفقات الاستثمار. بما يعني أن الكلفة تتحملها ميزانية الدولة ليس في صيغة دين عمومي ولكن في إطار ميزانية التّصرف حيث يتم تقسيط الكلفة على سنوات بما يسمح للشركة الخاصة الاستفادة من التضخم ومن انهيار الدينار لتتحول الدولة بمقتضى عقد الشراكة الى متسوغ لدى الشركة الخاصة على امتداد فترة التسوغ.
كما يشرف القطاع الخاص على استغلال المشروع والتصرف فيه حسب أهوائه ليتحول المشروع العمومي الى مشروع خاضع لمعايير الربح الخاص ويخرج بذلك عن نطاق المرفق العمومي. وفي هذا السياق نترك المجال للقارئ ليتصور مآل مشاريع في مجال الكهرباء مثلا أو في مجالي المياه والصحة …
وفي هذا السياق لا بد من الاشارة الى تقرير دائرة المحاسبات الفرنسية الصادر في 13 ديسمبر 2017 حول عقارات وزارة العدل التي تم إنجازها في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص حيث استغربت دائرة المحاسبات الكلفة العالية للمشاريع وتجاوزها لميزانية وزارة العدل داعية الى التخلي عن هذه الشراكة.
اننا نفهم اليوم ثقة حكومة الشاهد في فرضيات مشروع قانون المالية لسنة 2019 بخصوص السيطرة على الدين العمومي وعجز الميزانية، ثقة تقوم على مزايا آلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص المتمثلة في التلاعب في طريقة احتساب تمويل المشروع العمومي والتي سيتحملها، ظاهريا، القطاع الخاص ولكن في حقيقة الأمر يتحملها المواطن بتكلفة أعلى وربما بتمييز باعتبار انتفاء صيغة المرفق العمومي في انتظار استعادة الدولة لملكيتها للمشروع، ان استطاعت الى ذلك سبيلا، بعد فترة لا ندري طولها باعتبار ارتفاع نسبة التضخم وانهيار الدينار .
ولا يتوقف تخوفنا عند مستوى الاحتساب، ليتعداه الى هوية المستثمر حيث أن المشاريع العمومية هي في أغلبها مشاريع ضخمة وتتطلب تمويلات عالية بما يقلص من حظوظ الشركات الوطنية والمستثمر الوطني بالفوز بها ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام الشركات العالمية والمستثمر الأجنبي للفوز بها خاصة وأن سلطتنا التشريعية المصونة وضعت كل القوانين الضامنة لحقوق هؤلاء خاصة تحت عنوان المعاملة الوطنية التي تضعهم على قدم المساواة مع نظرائهم الوطنيين.
ان ما تسوق له حكومة الشاهد من إصلاحات كبرى مست الإطار القانوني والتشريعي المنظم لعلاقتها مع القطاع الخاص هو بوابة لتخلي الدولة عن دورها الاقتصادي وعن سيادتها لفائدة الشركات العالمية والمستثمر الأجنبي وهو الثمن الذي دفعه الشاهد للبقاء في السلطة والحكم معا وربما للوصول الى رئاسية 2019.

+++ جنات بن عبدالله

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!