كشفت جمعية المرأة والمواطنة بالكاف، في تقريرها السنوي لسنة 2024 حول العنف المسلط على النساء ومسارات التعهد بالضحايا، عن أرقام صادمة تؤكد اتساع دائرة العنف الموجه ضد النساء في تونس، وسط غياب شبه كلي للإحصائيات الرسمية ومحدودية الإجراءات الوقائية.
سجّل التقرير 26 جريمة قتل ضد النساء في تونس خلال سنة 2024، بينما تم إحصاء 15 جريمة مماثلة خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2025، أي بمعدل امرأة تُقتل كل 15 يوماً، ما يُظهر الطابع المنتظم والخطير لهذه الجرائم.
وأوضح التقرير أن أعمار الضحايا تتراوح أساسًا بين 26 و35 سنة، كما أن تونس الكبرى، بن عروس وأريانة تصدرت قائمة الولايات التي شهدت هذه الجرائم، ما يسلّط الضوء على المناطق الحضرية الكبرى كمجالات مقلقة من حيث العنف القاتل ضد النساء.
أما على مستوى العنف غير القاتل، فقد كشف التقرير عن تصاعد مذهل في نسبة العنف الزوجي:
- سنة 2010: 27% من النساء تعرضن للعنف من الشريك.
- سنة 2017: النسبة بلغت 46%.
- سنة 2020 (إبان جائحة كورونا): بلغت النسبة 87%، ما يعني أن 3 من بين كل 4 نساء تقريبًا تعرّضن للعنف المنزلي.
هذه الأرقام تعكس هشاشة الحماية داخل الوسط الأسري، حيث تبيّن أن الفضاء الزوجي هو أكثر البيئات عنفًا على النساء، يليه الوسط العائلي ثم الفضاءات العامة، حسب التقرير.
وفي تدخل إذاعي ضمن برنامج “ميدي ماغ”، أكدت يسرى دعلول، عضو الهيئة المديرة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أن أغلب جرائم العنف تتم داخل الأوساط الحميمية: الزوجي ثم العائلي، تليها الأماكن العامة. وشددت على ضرورة تحسيس الدولة بحجم الظاهرة ودعم الجمعيات التي تتحمّل العبء الأكبر في المتابعة والتوثيق، في ظل غياب قاعدة بيانات رسمية محيّنة من مؤسسات الدولة.
وبعيدًا عن السياق التونسي المباشر، تشير التجربة الفرنسية إلى أن مرحلة الانفصال أو الطلاق تعتبر من أخطر المراحل على حياة النساء. ووفق بيانات وزارة الداخلية الفرنسية لسنة 2022، فإن 65% من جرائم القتل ضد النساء في إطار العلاقة الزوجية حدثت أثناء الطلاق أو بعده مباشرة، كما أن 40% من الضحايا كنّ قد باشرن فعلياً إجراءات الانفصال أو غادرن بيت الزوجية.
هذه المعطيات يمكن أن تمثّل جرس إنذار لصنّاع القرار في تونس بضرورة مراقبة وضع النساء خلال فترات الانفصال وتوفير حماية استباقية لهن، رغم أن المعطيات المحلية حول هذا الجانب لا تزال غائبة.
تشدد الجمعيات على أن كل الأرقام المتداولة اليوم مصدرها المجتمع المدني، في ظل غياب شراكة حقيقية من الدولة في التوثيق والتحليل، رغم فداحة الظاهرة. وتطالب هذه الجمعيات بإحداث نظام وطني موحد لتوثيق العنف ضد النساء، وربطه بالمعطيات القضائية والأمنية، تمهيدًا لتدخلات مبنية على أدلة.

