ثمة شخصية الفرد وثمة الشخصية الجماعية، الأولى نفسية و الثانية اجتماعية.
عندما يعتبر الضمير الجمعي أن قتل انسان هو عمل إيجابي ومحمود وأن مرضه هو خبر مفرح وأن تدميره مهمة نبيلة، وهذا الشعور الجمعي يتغير حسب السياق التاريخي، تمجيد قتل الجنود تمجيد اغتيال شكري بلعيد الاحتفال بشتم زوجة الشهيد البراهمي الفرح لايداع بشير العكرمي مستشفى الأمراض العصبية ( الرازي) التهليل لايقاف شباب عن العمل الفرح لتدمير قاضية…
هذه المشاعر الاجتماعية الجمعية ( التي تحضر حسب السياق التاريخي) تدخل في باب الشخصية الثقافية الاجتماعية التي ضمنها تتشكل الشخصيات الفردية.
يعني أجيال من الأطفال والمراهقين هم بصدد استيعاب مؤثرات تلك الثقافة، وسيتم إنتاجها بأكثر مراكمة وأكثر دقة بعد خمس سنوات تقريبا.
ثمة فيلسوف وعالم أنثروبولوجيا أمريكي اسمه رالف لنتون Ralph Linton
يعتبر أن كل ثقافة تنتج شخصية، وأن المرتبة الشخصية للفرد تتحدد من جانبين الأول خارج عن ارادته مثل الاسم والجنس والميلادي وفضاء المنشأ… والثاني ترسمها الثقافة والوظيفة الاجتماعية…
المثير في أطروحة لانتون أن الفرد له شخصيته الخاصة وله شخصية تراكمها المعطيات الثقافية المجتمعية.
الشخصية التي تصنعها الثقافة تظل قائمة معها الشخصية النواة.
يعني بعد خمس سنوات من الآن سوف يعيد أطفال اليوم والمراهقون إنتاج الشخصية المجتمعية مع حضور للشخصية النواة ( الفردية/ الذاتية). فتتحول الرغبة القائمة في الذات التي في بعدها الأكبر هي بيولوجية إلى ثقافة، ويتحول الهدف الذاتي إلى عميلة انتقام جماعية في سياق تاريخي معين.
رالف لانتون أعطى مثالا، مثلا الملابس في بدايتها( أنثروبولوجيا) كانت بهدف حماية الجسم من البرد
يعني وظيفتها كانت مرتبطة ( في البداية) بالحاجة البيولوجية ثم تمّ تطوير التعاطي مع اللباس حسب الموسم وبدأ يأخذ بعدا ثقافيا، وتم اغراقه بعد ذلك بالايديولوجيا ضمن سياق الشخصية الاجتماعية،
فترتبط بالأخلاق وأصبحنا نعتبر لباسا يخفي الجسد لباسا محتشما والآخر غير أخلاقي وفرضت الشخصية الاجتماعية نمطا من اللباس الذي أخذ بعد قدسيا وأصبح هناك لباس منسجم مع الدين وآخر مخالف له.
وارتبط اللباس أيضا بالطبقة الاجتماعية وأصبح يمكن التمييز بين الاقطاعي ورجل الدين والفقير والقن والعامل من خلال اللباس …
كما أخذ في سياقات الثقافة الرأسمالية بعدا جنسيا، يأخذ اللباس شكلا ملائما للجسد المثير لإبرازه.
كما أخذ الشكل الجمالي للبحث عن اعتراف الآخر بنا.
إن الشخصية التي للفرد أخذت مراحل تطورها حسب مبدأ الانتقال من الرغبة الفردية إلى المعيار الاجتماعي الجمعي، فانتقلت ممارسة الفرد إلى معطى ثقافي.
أجيال من الأطفال سوف نجدهم بعد سنوات ينتقمون ويهللون ويفرحون بالمآسي الفردية والجماعية، وهي قيم تمهد لإلغاء الآخر ومركزة الأنا القاتلة والمهدمة للشخصية الفردية والجماعية.
*** منجي الخضراوي صحفي