قال الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، إن سقوط النظام السوري هو الحلقة الثانية من سلسلة “براكين” بدأت في طوفان الأقصى وستستمر في دول عربية أخرى، دون أن يستبعد وصولها إلى تونس.
وأضاف، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “فضلت دوماً الحديث عن البراكين العربية بدل الربيع العربي، والبراكين لا أحد يعرف متى ستفجر لكن يعرف الكل أنها ستنفجر حتماً عندما يبلغ الضغط داخلها درجة معينة. تصور حالة الاحتقان داخل المجتمعات العربية ويمكنك أن تراهن على قرب انفجار البركان في أكثر من بلد. السابع من أكتوبر افتتح سلسلة، حلقتها الثانية سوريا، والبقية على الطريق. والمسألة مسألة وقت لا أكثر”.
تسليح الثورة السورية
وكان المرزوقي عارض مراراً تسليح الثورة السورية، وهو ما اعتبره البعض “موقفاً خاطئاً”، على اعتبار أن تسليح الثوار هو ما مكّنهم من إسقاط نظام بشار الأسد.
وعلق على ذلك بقوله: “أنا تلميذ مانديلا الذي تعلمت منه أن السياسي المسؤول هو من يدافع عن قضايا شعبه بكل الوسائل السلمية والقانونية إلى أن يتضح أنه لم يعد هناك من حل غير مقاومة القوة بالقوة. لهذا دعم مانديلا حركة المقاومة المسلحة واتُهم بالإرهاب حتى من قبل منظمة العفو الدولية التي رفضت مساندته”.
وتابع بقوله: “مشيت في الطريق نفسه”، حيث ناديت في بداية الثورة السورية ببقائها سلمية مدنية، لكن لمّا تجاوز نيرون العرب (بشار الأسد) كل الخطوط الحمر وتألق بوحشيته وبراميله، كنت الرئيس العربي الوحيد الذي قطع معه العلاقات الدبلوماسية وكلفني ذلك غالياً، وبالطبع ساندت حق الشعب السوري في مواجهة القوة بالقوة من باب مكره أخاك، لأنني -كحقوقي وطبيب- لا أبغض شيئاً قدر العنف”.
وحول ربط البعض بين طوفان الأقصى وسقوط النظام السوري، قال المرزوقي: “طبعاً، حصلت تقاطعات مصالح، لأن النظام الهمجي كان مدعوماً من إيران وحزب الله وأيضاً من إسرائيل، فلما ضرب الله الظالمين بالظالمين فُتحت فرصة للشعب السوري سارع بانتهازها ونجح في ذلك”.
وأضاف: “انظر جنون إسرائيل وكيف تدمر ما تدّعيه من أسلحة كيماوية. لماذا لم تدمرها من قبل؟ لأنها كانت تعرف أنها مبوبة للاستعمال ضد الشعب السوري وليس ضدها. ولماذا سارعت لاحتلال المنطقة العازلة؟ لأن الديكتاتور الحقير كان مكلفاً بحراستها، فلما انهار نظامه سارعت للقيام بالوظيفة التي كان قائماً بها”.
ويحذر بعض المراقبين من تكرار التجربة التونسية والمصرية في سوريا، وخاصة فيما يتعلق بوصول الإسلاميين للسلطة و”الانقلاب” عليهم من قبل بقايا المنظومة القديمة وغيرها، وبالتالي انتكاس الديموقراطية الوليدة وعودة الديكتاتورية.
إلا أن المرزوقي يستبعد هذا الأمر، ويبرر ذلك بقوله: “ألاحظ في القيادة الجديدة ذكاء وحنكة تدل على أنها تعلمت من أخطائنا. وأكبر خطأ تسبب في سقوط التجربة التونسية هو التساهل مع فلول الاستبداد العلماني والصبر طيلة سنة على بروز الاستبداد الديني ممثلاً في حركة أنصار الشريعة، وهو ما أخاف الطبقة الوسطى وألّبها علينا”. وأضاف: “إذا أظهرت القيادة السورية الجديدة ذاتها الصرامة نفسها في القطع مع فلول الاستبداد العلماني وكل بوادر الاستبداد الديني، ستنجو من السيناريو الذي ذكرت. معنى هذا أن على القيادة الجديدة أن تخرج من ثنائية إسلامي/علماني لتدخل بقوة ثنائية ديمقراطي/استبدادي، وأن تفتح الحكومة المقبلة الباب للديمقراطيين العلمانيين جنباً لجنب مع إسلاميين ديمقراطيين، وأن يكون الهدف ليس بناء دولة إسلامية، وإنما دولة ديمقراطية ودولة قانون ومؤسسات متصالحة مع كل المكونات العقائدية للشعب السوري”.
تقسيم سوريا
وفيما يتعلق بالتحذيرات من تقسيم سوريا إلى دويلات عرقية وطائفية مدعومة من الخارج، قال المرزوقي: “سوريا محاطة بذئاب عدة لا مصلحة لها في استباب دولة ديمقراطية مدنية مستقلة وبالطبع عصية على التطبيع، ومن ثم فالسكاكين جاهزة للذبح”.
وأضاف: “لمواجهة لهذا الخطر لا بد من الوحدة الوطنية، وهذه لا يمكن تحقيقها إذا تقوقعت القيادة على فصيل إسلامي. المطلوب هو أقصى الانفتاح وإشراك كل القوى الديمقراطية القابلة ببناء دولة قانون ومؤسسات، والقبول بحكم محلي للمكون الكردي لكن في إطار الدولة الواحدة”.
وتابع المرزوقي: “لن يكون الأمر سهلاً، لذلك على أهلنا في سوريا إدراك حجم التحديات، وعلى أصدقاء الشعب السوري أن يقفوا بجانبه بالنصح وكل أصناف الدعم، لأن مستقبل الربيع العربي الآن في جزء كبير منه بيد السوريين”.
وحول احتمال عودة الربيع العربية إلى تونس، قال المرزوقي: “انفجر البركان التونسي في 2010 لتضافر مكونين هما: الرفض الاجتماعي ممثلاً في البوعزيزي العامل الفقير، والرفض السياسي ممثلاً في كل ضحايا القمع”.
وأضاف: “بعد أربعة عشر عاماً ونجاح الثورة المضادة في كنس كل مكاسب الثورة، تجد تونس نفسها في الوضعية ذاتها (قبل الثورة)، حيث عادت الانتخابات التسعينية وانهارت الحريات وتفاقم القمع والفقر وازدادت البطالة. ولأن نفس الأسباب تؤدي للنتائج نفسها ، فإن عودة الثورة مسألة حتمية، لكن -كما تعرف- وحدها البراكين تقرر لحظة انفجارها، لا ينفع فيها لا شتمٌ لتكاسلها ولا تحريضٌ على سرعة بثّ الحمم”.
وفسر المرزوقي “الصمت المطبق” للمعارضة التونسية بعد فوز الرئيس قيس سعيد بفترة رئاسية جديدة بقوله: “المعارضة قبلت اللعب في الإطار الذي حدده النظام، وآخر شطحاتها القبول -في جزء كبير منها- بالمشاركة في مهزلة الانتخابات (الرئاسية) المزورة الأخيرة”.
وأضاف: “بديهي أننا أمام طبقة سياسية فاشلة مأزومة مهترئة. وعلى كل حال، أذكر بأن الثورة لم تقم بها الطبقة السياسية وإنما جماهير الشباب المقفر اليائس، ثم تسارعت الأحزاب لتركب الموجة وتجني الثمار ثم تخون الثورة وتعيدها على طبق من ذهب للثورة المضادة، لذلك على الشباب التونسي أن يفكر من خارج الصندوق، وأن يجد بدائله هو، لا أن ينتظر الفرج ممن لم تعد لهم أي قوة فعل”.
قيادات ميدانية
وحول الخطوات المطلوبة من اتحاد الشغل والمعارضة والمجتمع المدني لإنقاذ البلاد، قال المرزوقي: “لا شيء مما ذكرت يمكن أن يكون حلاً، وخاصة الاتحاد. لا أقرأ في الفنجان ولا أعتقد أن ثورة 2010 ستُعاد بنفس التفاصيل والسيناريو، ولكنني أعتقد أنه ستكون هناك مفاجئات من داخل الدولة وخارجها”.
واعتبر، في المقابل، أن تونس في حاجة إلى “قيادات ميدانية للإطاحة بنظام المنقلب المغتصب، ثم لجبهة ديمقراطية واسعة مهمتها إعادة دستور الثورة واستئناف بناء دولة القانون والمؤسسات، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي لتعود الآلة الاقتصادية المتوقفة منذ الثورة للعمل وإعادة الأمل للتونسيين، هذا الأمل الذي فقدوه وفقدوا معه بهجة الحياة”.
وأضاف المرزوقي بقوله: “ما عدا هذا، سيتم تأخير الانفجار وتأخير الفرج، لكنهما آتيان -طال الزمان أو قصر- لأن الشعوب تمرض لكنها لا تنتحر”.
القدس العربي