في الوقت الذي تتسابق فيه العديد من الوجهات العالمية لاستقطاب السياح الصينيين، ما تزال تونس متأخرة نسبياً في هذا المجال، رغم ما تمتلكه من ثراء طبيعي وثقافي يؤهلها لأن تكون محطة بارزة في خارطة السفر العالمية.
الصين تُعتبر اليوم أكبر سوق مصدِّر للسياح في العالم، حيث تجاوز عدد المسافرين منها إلى الخارج 150 مليوناً سنوياً قبل جائحة كوفيد-19، ومع استعادة الحركة الجوية عافيتها يعود هذا الرقم للارتفاع بسرعة.
لكن السؤال الجوهري: لماذا لم تنجح تونس إلى اليوم في تحويل هذه السوق الواعدة إلى رافعة حقيقية لاقتصادها السياحي؟ وما الذي يجب فعله لتحقيق ذلك؟
العائق الأكبر أمام السائح الصيني في تونس هو اللغة. فغالبية الصينيين لا يتقنون سوى الماندرين، ويشعرون براحة أكبر حين يجدون مرشدين سياحيين يتحدثون لغتهم، أو حين يقرؤون لافتات مترجمة إلى الصينية. كما أن وجود كتيبات سياحية بالفنادق والمطارات بلغة الضيف قد يصنع فارقاً كبيراً في التجربة.
إلى جانب اللغة، يبقى الطعام عنصراً حساساً. فالسائح الصيني، رغم فضوله لتذوق المطبخ المحلي، يبحث عادة عن وجبة آسيوية واحدة على الأقل في يومه. إدراج أطباق صينية بسيطة في مطاعم الفنادق أو فتح ركن للوجبات الآسيوية قد يسهم في رفع نسبة رضاهم.
التسويق عبر قنواتهم الخاصة
السائح الصيني لا يعتمد على فيسبوك أو إنستغرام، بل على منصات محلية مثل WeChat و Weibo، وعلى وكالات السفر الرقمية مثل Ctrip و Fliggy. لذلك فإن أي حملة ترويجية لتونس لا بد أن تُبنى على هذه المنصات.
الأكثر من ذلك، يلعب المؤثرون الصينيون (KOLs) دوراً محورياً: صورة أو فيديو من سيدي بوسعيد أو من صحراء دوز منشور على حساب مؤثر يمكن أن يحقق لتونس ما لا تحققه حملة تقليدية بميزانيات ضخمة.
منتوج سياحي متكامل
ما يستهوي الصينيين في تونس هو المزج بين البحر والصحراء والتاريخ.
- الشواطئ: مثل الحمامات، سوسة، وجزيرة جربة، حيث يبحثون عن الشمس والاستجمام.
- الصحراء: دوز وتوزر، بما تقدمه من تجربة “سفاري” على الجمال وغروب الشمس وسط الكثبان الرملية.
- الآثار: من قرطاج إلى المتاحف والمدن العتيقة، وهو عنصر يجذب فئة الباحثين عن التجارب الثقافية.
لكن الأهم هو تقديم هذه التجارب في برامج مكثفة لا تتجاوز عشرة أيام، لأن السائح الصيني يميل إلى زيارة أكثر من وجهة خلال نفس الرحلة.
عامل المناخ: فرصة غير مستغلة
الصينيون يبحثون عن الدفء في الشتاء والاعتدال في الربيع والخريف. وتونس يمكن أن تسوّق نفسها بذكاء كوجهة شتوية مثالية، في وقت تصل فيه درجات الحرارة في شمال الصين إلى ما دون الصفر. مشهد شمس دافئة في ديسمبر أو يناير على شواطئ المتوسط قد يكون ورقة رابحة لتونس في هذا السوق.
لا يمكن استقطاب السائح الصيني من دون تكييف البنية المالية مع عاداته. فمعظم الصينيين يعتمدون على تطبيقات الدفع الإلكتروني مثل Alipay و WeChat Pay. توفير هذه الخدمات في الفنادق الكبرى والمطارات والمطاعم الراقية سيُعطي تونس نقطة تفوق على جيرانها.
إضافة إلى ذلك، يبقى ملف التأشيرة من أكبر العوائق. اعتماد تأشيرة إلكترونية مبسطة سيكون مفتاحاً لتشجيع وكالات السفر الصينية على إدراج تونس في برامجها.
رهان المستقبل
السائح الصيني ليس مجرد رقم إضافي في سوق السياحة العالمية، بل هو زبون استراتيجي بقيمة إنفاق عالية وشغف بالوجهات الجديدة. وإذا تمكنت تونس من تكييف عرضها السياحي مع متطلباته – من اللغة والطعام، إلى التسويق الرقمي والتسهيلات المالية – فإنها ستضع نفسها في موقع تنافسي قوي أمام وجهات مثل المغرب وموريشيوس وتركيا.
الكرة اليوم في ملعب صانعي القرار: إما أن تظل تونس متفرجاً على هذا التدفق السياحي العالمي، أو أن تنخرط بجدية في استراتيجيات استقطاب السوق الصينية، فتتحول من وجهة موسمية محدودة إلى محطة متوسطية بارزة على الخريطة الصينية للسفر.

