أثار إعلان مركز يُدعى “جرعة أمل” عن شفاء أكثر من أربعمائة مصاب بالسرطان من عدة دول عربية، من بينها تونس و ليبيا و مصر و السودان والسعودية و لبنان و العراق، باستخدام الشيح و القهوة، موجة واسعة من الجدل والاستنكار في الأوساط الطبية والعلمية، وسط تحذيرات من خطورة نشر الأوهام الطبية والمتاجرة بآلام المرضى ومعاناتهم.
القصة التي راجت على مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبة بصور ولقطات من مؤتمر صحفي، تزعم أن المركز اكتشف علاجًا طبيعيًا قادرًا على القضاء النهائي على الأورام السرطانية، وأن عشرات المرضى غادروا المستشفيات بعد تعاطيهم خليطًا من القهوة والشيح.
لكن خلف هذا الخطاب المفعم بالعاطفة تكمن مغالطات علمية خطيرة، إذ لا يوجد في الوقت الراهن أي دليل موثق أو بحث منشور في مجلة طبية متخصصة يثبت فعالية هذه الخلطة أو يؤكد نسب الشفاء التي يروجها المركز.
الأطباء والأخصائيون في علاج الأورام أجمعوا على أن مثل هذه الادعاءات لا تعدو أن تكون وهماً يسوّق تحت غطاء “الطب البديل”، مؤكدين أن الشيح والقهوة لا يمكن أن يشكلا علاجًا شافيًا للسرطان.
بعض الدراسات المخبرية المحدودة تحدثت عن مركبات كيميائية في نبتة الشيح قد تساهم في إبطاء نمو بعض الخلايا السرطانية في ظروف معينة، لكن تلك النتائج لا تتجاوز نطاق المختبر، ولا يمكن تعميمها على البشر أو اعتبارها دليلًا على الشفاء.
الخطر الأكبر في هذه الحالات، وفق الأطباء، لا يكمن فقط في تضليل الرأي العام، بل في دفع المرضى إلى إيقاف العلاجات الطبية المثبتة مثل العلاج الكيميائي أو الإشعاعي أو الجراحي، واستبدالها بخلطات عشبية مجهولة المصدر، ما يؤدي في أغلب الأحيان إلى تدهور الحالة الصحية وفقدان فرص الشفاء الحقيقية.
كما أن عدم خضوع هذه المراكز لأي رقابة طبية أو علمية يجعلها بيئة خصبة للاحتيال واستغلال معاناة المرضى نفسيًا وماديًا.
السلطات الصحية في تونس وليبيا وبقية الدول المعنية مطالبة بتحذير المواطنين من الانسياق وراء هذه الدعايات، ودعوة المرضى إلى استشارة أطبائهم المختصين ومواصلة علاجهم وفق البروتوكولات الطبية المعتمدة عالميًا، مع التأكيد أن الشفاء من السرطان لا يمكن أن يتحقق إلا عبر العلاج الطبي المبني على الدليل العلمي، وتحت إشراف فرق طبية مختصة.
ما بين أمل زائف وألم حقيقي، يظلّ الترويج لمثل هذه “الخلطات السحرية” ضربًا من الخداع الذي يستوجب المساءلة القانونية والأخلاقية، إذ لا يحق لأيّ طرف أن يعبث بمشاعر الناس أو يتلاعب بحياتهم بادعاءات كاذبة تحت مسمى الاكتشاف أو الإعجاز. وفي انتظار نتائج التحقيقات الرسمية، يبقى ما يعلنه مركز “جرعة أمل” مجرّد خرافة جديدة تتستّر وراء شعار الإنسانية، لكنها في جوهرها تتغذّى على اليأس وتسوّق الوهم.

