الرئيسيةآخر الأخبارماهذا الصمت المريب؟ تسرب المياه المستعملة يهدد بيئة غار الملح وقمرت و...

ماهذا الصمت المريب؟ تسرب المياه المستعملة يهدد بيئة غار الملح وقمرت و قابس و بن عروس

رغم التحقيقات المتكررة التي نشرتها وسائل إعلام تونسية عدة، من بينها “تونزيزي تيليغراف“، حول التدهور البيئي المتواصل في عدة مناطق من البلاد، لم تحرك الجهات المعنية ساكنًا.

وحتى حين تتابع الأمر، فإنها تفعله بقدر كبير من اللامبالاة، التي يصعب فهمها أو تبريرها، خاصة وأن هذه المؤسسات أنشئت خصيصًا لهذا الغرض وتم تخصيص ميزانيات مهمة لها.

فهل بات التعايش مع الكارثة البيئية قدرًا محتومًا؟ وهل تطبعنا مع الفوضى البيئية حتى صارت جزءًا من المشهد اليومي؟

غار الملح: من الاعتراف العالمي إلى كارثة صامتة

في غار الملح، المدينة التي كانت قد تُوّجت سنة 2018 بجائزة “مدينة الأراضي الرطبة” من اتفاقية رامسار، وأُدرجت ضمن المواقع “الإيكوهيدرولوجية” من قبل اليونسكو، تهدد اليوم تسربات المياه المستعملة من منشآت تابعة للديوان الوطني للتطهير، الحياة البحرية والبيئة المحيطة بشكل مباشر. الروائح الكريهة، والتغير الملحوظ في طبيعة المياه، تحوّلت إلى كابوس يومي للسكان والزوار، رغم أن التنبيهات وُجّهت رسميًا قبل أكثر من أسبوعين، بل وموثقة بالصور والمعاينات الميدانية.

المفارقة المؤلمة أن هذا يحدث على بعد أمتار من مؤسسات رسمية ومرصد بيئي دولي. ومع كل هذا، لا تزال الصمت هو اللغة الرسمية المعتمدة.

قمرت: من وجهة سياحية إلى نقطة سوداء بيئيًا

في قمرت، التي يفترض أن تكون جوهرة الضاحية الشمالية لتونس، استقبل الزوار خلال موسم الصيف مشهدًا صادما: محطة قديمة لتجميع مياه الأمطار تحوّلت إلى مستنقع قذر، ينبعث منه الروائح الكريهة، وسط الشريط السياحي الذي يحتضن نزل Four Seasons والملهى الشهير “البيليونير”.

ما يُثير الشك هو احتمالية استغلال هذه المنشأة لتصريف مياه مستعملة، ما يجعل الأمر يتجاوز مجرد إهمال بل قد يصل إلى تعمد تلويث بيئة حساسة وموقع سياحي مهم.

نفوق الأسماك… الإنذار تلو الآخر

كما كشف الأستاذ مراد عطوشي من المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار عن نفوق كميات كبيرة من الأسماك بمصب وادي بولدين بقربة نتيجة ركود المياه ونقص الأوكسجين.

ولم تمضِ أيام حتى سُجل شحوط دلفين نافق بشاطئ حمام الأنف، ثم لاحقًا كميات كبيرة من الأسماك النافقة بين منطقتي خنيس وطبلبة بسواحل المنستير، وفي شواطئ سليمان بنابل.

الظاهرة لم تعد عرضية، بل باتت مؤشرا على انهيار بيئي مستمر، دون معالجة فعلية.

تحذير رسمي: 28 شاطئًا غير صالح للسباحة

ومع انطلاق موسم الصيف وتوجه المواطنين إلى الشواطئ هربًا من حرارة الطقس، أصدرت وزارة الصحة تحذيرًا دعت فيه إلى تجنب السباحة في 28 شاطئًا موزعة على ولايات بن عروس، تونس، أريانة، بنزرت، وقابس، بسبب تردي جودة المياه وتعرضها لمستويات تلوث عالية.

الوزارة أوضحت أنها راقبت في شهر جوان 539 نقطة شاطئية، وتبين أن نحو 71% فقط من الشواطئ المصنفة سجلت مستويات “جيدة”، بينما تعاني الشواطئ المحظورة من تدفق مباشر لمخلفات صناعية وكيميائية، وتسربات للصرف الصحي، ما غيّر لون المياه إلى درجات داكنة مقلقة.

وصف الخبير البيئي كريم بن عمار الوضع بـ”الكارثي”، مؤكدًا أن بعض الشواطئ تحوّلت إلى مصبات مكشوفة للنفايات الصناعية والمنزلية. كما نبه إلى أن الربط العشوائي للمصانع بالبحر، وضعف طاقة محطات المعالجة، من أبرز أسباب هذه الكارثة البيئية المتصاعدة.

حي الغزالة: عندما تساهم البلدية في خلق الكارثة

ولا يقلّ الوضع سوءًا في الأحياء الداخلية، كما في حي الغزالة من معتمدية رواد، حيث قامت البلدية بسحب أغلب الحاويات أواخر السنة الماضية دون تقديم بدائل. النتيجة: تكدّس القمامة في الشوارع، اضطرار السكان لنقل نفاياتهم لأحياء أخرى، أو الاحتفاظ بها في البيوت. لم تنفع الوعود بالتعاقد مع شركات خاصة، ولم يتحرك شيء على أرض الواقع. الحي تحول إلى مكب مفتوح، وسط معاناة السكان وصراخهم الذي لا يسمعه أحد.

المواطن أيضًا مسؤول

في خضم كل هذا، لا يمكن تجاهل دور المواطن في ما آل إليه الوضع. فالممارسات اليومية في الفضاءات العامة، وعلى الشواطئ تحديدًا خلال الصيف، تزيد الطين بلة: رمي الفضلات في غير أماكنها، ترك بقايا الأكل والبلاستيك على الرمال، والتصرفات غير المسؤولة تُفاقم الأضرار البيئية وتُفرغ أي جهد رسمي من معناه.

البيئة ليست فقط مسؤولية الدولة، بل هي مسؤولية جماعية. وإن لم يُغير المواطن سلوكه، فحتى أكثر الخطط الحكومية تطورًا ستفشل

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!