قال الخبير الاقتصادي معز الجودي إنّ الحديث المتداول في تونس حول مشروع “البنك البريدي” وتحويل البريد التونسي إلى مؤسسة ذات صبغة بنكية، يتمّ تقديمه لدى البعض على أنه حلّ سحري من شأنه أن يفتح أبواب الرفاه أمام المواطنين ويوفر القروض بفوائد منخفضة أو منعدمة، مؤكّدًا أنّ هذا الطرح “شعبوي ولا يستند إلى أيّ منطق اقتصادي أو مالي”.
وأوضح الجودي في تدوينة له أنّ البعض يروّج لفكرة أنّ “اللوبي البنكي” يعارض هذا المشروع لأنه يهدّد أرباحه، لكن هذا الكلام – على حدّ قوله – “لا معنى له وهو من نفس الخطاب الشعبوي الذي دمّر الاقتصاد الوطني، كما دمّر من قبل قطاعات حيوية أخرى كالمحروقات والصناعة والإنتاج”.
وأضاف أن تونس تضمّ اليوم 23 بنكًا، وهو عدد كبير مقارنة بعدد السكان، مذكّرًا بأنّ المغرب مثلًا يملك عددًا أقل من البنوك رغم أنّ عدد سكانه يفوق تونس بثلاثة أضعاف.
وبيّن أنّ إنشاء “بنك بريدي” جديد لن يكون سوى إضافة رقمية إلى القائمة الحالية، وأنّه سيخضع بدوره إلى نفس قواعد البنك المركزي ومعاييره الصارمة من حيث الملاءة المالية، الحوكمة، التصرّف في المخاطر، وتحديد نسب الإقراض والتعريفات والمنتجات البنكية.
كما أشار إلى أنّ البريد التونسي، في حال تحوّله إلى بنك، سيكون ملزمًا بالانخراط في المعاهدة القطاعية وسيتحمّل تكاليف استثمارات مرتفعة لتحديث منظومته التكنولوجية وتطوير برمجيات وأنظمة مصرفية جديدة، وهو ما سينعكس على أسعار الخدمات والعمولات بدل أن يخفّضها.
وختم الجودي بالقول إنّ الحلّ لا يكمن في خلق بنك عمومي جديد، بل في إعادة تركيز القطاع البنكي وتشجيع عمليات الدمج والتقارب بين المؤسسات المالية (fusacq) من أجل بناء مجامع بنكية تونسية قوية وقادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا، ومساندة الفاعلين الاقتصاديين لغزو الأسواق الخارجية ودفع التصدير والنمو.
كما شدّد على أنّ مستقبل البنوك في العالم يتّجه نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي والمصارف الافتراضية مثل بنك Revolut الذي أصبح من أقوى البنوك عالميًا دون امتلاك أيّ فرع مادي.
وفي الختام، دعا الجودي إلى الحفاظ على خصوصية البريد التونسي كمؤسسة عريقة ومحترمة، مع إمكانية إقامة تحالف استراتيجي مع بنك قائم بدل الدخول في تجربة مكلفة وغير مضمونة النتائج.
