في خطوة غير مسبوقة قد تمثل منعطفًا خطيرًا في مستقبل النظام الدولي، صادق الكونغرس الأمريكي على مشروع قانون مثير للجدل يُعرف بـ”قانون الإلغاء” (Rescission Bill)، يقضي بتجميد أو إلغاء التمويلات الأمريكية المقدّمة إلى منظمة الأمم المتحدة، إلى وكالاتها، وإلى برامجها المتخصصة، وحتى إلى عمليات حفظ السلام المنتشرة حول العالم.
انقلاب تشريعي على النظام المتعدد الأطراف
مشروع القانون الأمريكي الجديد لا يكتفي بإلغاء الاعتمادات غير المستخدمة من ميزانيات سابقة، بل يذهب إلى حد تجميد المساهمات المستقبلية للولايات المتحدة في بعض الهيئات الأممية التي تُعتبر “غير فعالة أو مسيّسة أو غير متماشية مع المصالح الأمريكية”، بحسب نص القانون. كما يشترط المشروع ربط أي تمويل مستقبلي بمعايير محددة تتعلق بالأداء والشفافية والولاء السياسي للسياسة الخارجية الأمريكية.
عودة لنهج “أمريكا أولاً”
هذا التوجه يعكس بوضوح عودة السياسة الأمريكية إلى مفردات “الانعزال الانتقائي” المستلهمة من عقيدة “أمريكا أولاً”، حيث يتم تقليص النفقات الفدرالية على التعاون الدولي لصالح تعزيز السيطرة الأحادية على مواقع النفوذ العالمية.
تداعيات مقلقة على الأمم المتحدة:
في حال تفعيل القانون بشكل كامل، يتوقع خبراء ودبلوماسيون أن تكون التداعيات كارثية على الأمم المتحدة، خصوصًا في ظل الأزمة المالية التي تعصف بها منذ بداية 2025:
- تسريح جماعي لموظفي الوكالات الأممية، لا سيما في برامج التنمية وحقوق الإنسان؛
- تعطيل محتمل لبعثات حفظ السلام في إفريقيا والشرق الأوسط؛
- تراجع الثقة الدولية في حيادية الأمم المتحدة ودورها كفاعل إنساني وقانوني؛
- ترك فراغ في إدارة النزاعات والكوارث قد تملؤه قوى إقليمية أو شركات خاصة؛
- تسارع موجة خصخصة العمل الإنساني والتنموي.
ما وراء المال: ضغوط سياسية واستراتيجية
لا يُقرأ هذا القانون فقط في إطاره المالي، بل يُنظر إليه كـرسالة تهديد سياسي واضحة إلى قيادة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي: “إما الإصلاح وفق الرؤية الأمريكية أو الانهيار”. كما يمثل محاولة لإعادة تشكيل المنظمة بما يتناسب مع الأجندة الغربية وفرض معايير جديدة على الأداء الدولي.
ما البدائل؟ العالم في مفترق طرق
أمام هذا التحول الأمريكي، تظهر عدة سيناريوهات محتملة:
- دخول الدول الأوروبية والآسيوية لسد الفراغ المالي وتعزيز استقلالية الأمم المتحدة عن واشنطن؛
- اغتنام “الجنوب العالمي” للفرصة للمطالبة بإصلاح جذري في تمثيل الدول داخل هياكل القرار الأممية؛
- انفتاح الأمم المتحدة على مصادر تمويل جديدة من خلال شراكات مع القطاع الخاص أو مساهمات من دول مانحة بديلة.

